– ثم قال تعالى : { ادعوهم لآبائهم . . . . } إلى قوله تعالى : { وليس عليكم جناح } :
فأمر بدعاء الأدعياء إلى آبائهم للصلب وأن لا يدعوهم إلى من تبناهم كما كان يفعل أولا فمن جهل ذلك فيه كان مولى وأخا في الدين . فقال الناس : زيد بن حارثة وسالم مولى أبي حذيفة {[10301]} وغير ذلك . ذكر الطبري أن أبا بكرة قرأ هذه الآية ثم قال : أنا ممن لا يعرف أبوه فأنا أخوكم في الدين ومولاكم . قال الراوي عنه : ولو علم أن أباه حمار لانتمى إليه . وأهل الحديث يقولون في أبي بكرة : نفيع بن الحارث {[10302]} وهذه الآية ناسخة لما قد كان قبلها جائزا في السنة من تنمية الرجل المتبنى إلى متبنيه بالبنوة كما ينسب إلى أبي الصلب وذلك أنه قد كان النبي صلى الله عليه وسلم أقر ذلك حتى نزلت الآية . فهذا من نسخ السنة بالقرآن . وبين الأصوليين فيه تنازع {[10303]} .
– قوله تعالى : { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به . . . . } إلى قوله تعالى : { النبي أولى بالمؤمنين } :
اختلف في الخطأ والعمد في الآية ما هو ؟ فقالت فرقة : خطأهم كان فيما سلف من قولهم ذلك . وهذا ضعيف ، لأنه لا يتصف بشيء ، لأنه خطأ إلا بعد النهي . وقال الجمهور : الخطأ ما كان من غير قصد . ثم اختلف الذين ذهبوا إلى هذا هل الآية على العموم أم لا ؟ فذهب جماعة إلى أنها خاصة {[10304]} ، وأن رفع الحرج إنما هو جري على العادة من نسبة زيد إلى محمد ، وغير ذلك مما يشبهه ، وأن الجناح في التعمد ، إلى نحو ذلك ، وهو قول قتادة وغيره . وذهب قوم إلى أنها عامة في كل شيء لم يتعمده فاعله وهو مما لو تعمده لزمه حكم {[10305]} . وعلى هذا يأتي اختلاف الفقهاء فيمن حلف أن لا يفارق غريمه حتى يقضيه ، فقضاه ثم وجد فيما قضاه زائدا أو ناقصا . وفيمن {[10306]} حلف أن لا يسلم على رجل فسلم عليه وهو لا يعلم . فذهب عطاء وغيره إلى أنه لا يحنث من فعل ذلك غير متعمد {[10307]} وحجته عموم الآية وقوله عليه الصلاة والسلام : " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان/ وما استكرهوا عليه " {[10308]} وقوله : " ما أخشى عليكم الخطأ وإنما أخشى عليكم العمد " {[10309]} وأكثر الفقهاء يرون الحنث في ذلك ونحوه ويحملون عموم الآية في الأحاديث على الخصوص . وكذلك اختلفوا فيمن أفطر في رمضان ناسيا{[10310]} هل عليه قضاء ؟ وكذلك اختلفوا فيمن صلى ناسيا بجنابته هل عليه إعادة ؟ وعموم الآية ما يمكن أن يحتج به في جميع ذلك .