– قوله تعالى : { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم } :
اختلف في تأويلها ، فقيل المعنى إن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أمر بشيء أو نهى عنه ثم خالفت إلى أمور نفسه كان أمر النبي صلى الله عليه وسلم أولى أن يتبعه من أمر نفسه{[10311]} . وقيل معناه إن النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالحكم من الإنسان مما يحكم به الإنسان في نفسه لوجوب طاعته عليه الصلاة والسلام {[10312]} هذا في حق الولاية من قبل المؤمنين . وأما من قبل النبي صلى الله عليه وسلم فالذي ينبغي أن يقال فيه إنه {[10313]} الرفق والتلطف والمن والعطف . فمن ذلك ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم في صدر الإسلام كان لا يصلي على ميت عليه دين . فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، من ترك مالا فلورثته ومن ترك دينا أو ضياعا فعلي ، أنا وليه فاقرأوا إن شئتم : { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم } " {[10314]} فالآية على هذا ناسخة للسنة .
قوله تعالى : { وأزواجه أمهاتهم } :
جعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تشريفا لهن مثل الأمهات للمؤمنين أي أنهن يجب برهن كما يجب بر الأمهات ويحرم نكاحهن كما يحرم نكاح الأمهات وحجبهن رضي الله عنهن بخلاف الأمهات . وقد اختلف هل كان يحرم عليه عليه الصلاة والسلام حرائر الكتابيات أم لا ؟ واستدل من قال بالتحريم بقوله تعالى : { وأزواجه أمهاتهم } ولو تزوج عليه السلام كافرة لكانت أما للمؤمنين .
قوله تعالى : { وأولوا الأرحام بعضهم . . . } إلى قوله تعالى : { مسطورا } :
بين تعالى في هذا أن أولي الأرحام أحق بالتوارث مما كانت الشريعة قررته من التوارث بالأخوة والهجرة ، فإنه كان في صدر الإسلام بالمدينة توارث بهذين الوجهين ، واختلفت الروايات في صفته . فالآية على هذا ناسخة ، رد الله تعالى بها المواريث على الأنساب . وقد تقدم الكلام على هذا في سورة الأنفال {[10315]} . وقوله : { في كتاب الله } يحتمل أن يريد القرآن ويحتمل أن يريد اللوح المحفوظ .
وقوله تعالى : { إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا } :
قال قتادة وغيره {[10316]} : يريد الإتيان في الحياة والصلة والوصية عند الموت وهذا كله جائز أن يفعل مع ولي المؤاخاة والهجرة والقريب الذي ليس بوارث وإن كان كافرا . واختلفوا هل يجوز أن يجعل الكافر وصيا أم لا ؟ فجوز بعض ومنع بعض ورد النظر إلى السلطان بعض منهم مالك رضي الله تعالى عنه . فإذا قيل بالمنع فالآية في المؤمنين خاصة ، وإلى هذا ذهب مجاهد وابن زيد والرماني {[10317]} وغيره . أو يقال في المؤمنين والكافرين فيما دون إثبات الوصية منهم . ومن أجاز حمل الآية على العموم ولم يخصص شيئا من شيء .
وقوله : { كان ذلك في الكتاب مسطورا } :
يحتمل الوجهين المتقدمين من كتاب الله تعالى أو اللوح المحفوظ . وقد قال بكل من الوجهين جماعة .