17 - قوله تعالى : { إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة } الآية :
التوبة : الندم{[3230]} ، على ما مضى من فعل عصى الله تعالى{[3231]} به من حيث هو معصية لا من حيث{[3232]} أضر ببدن أو ملك . وإن كان ذلك الفعل مما يتأتى{[3233]} العودة إليه ، فيجب أن ينضاف إلى الندم العزم على ترك العودة إليه ، وإن كان مما لا يتأتى فلا يحتاج إلى ذلك العزم . والتوبة من الذنب واجبة لقوله تعالى : { وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنين } [ النور : 31 ] ، فأجمع الناس{[3234]} أن{[3235]} هذا الأمر على الوجوب ، وتصح التوبة عندنا من الذنب مع البقاء على ذنب آخر خلافا لمن منع من المعتزلة ، لأن النادم على ذنب وهو مصر على آخر قد لزمه اسم التوبة في كلام العرب وهو الرجوع . فهو قد رجع عن أمر فهو تائب منه ، وهو تعالى قد قال : { إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب } [ النساء : 17 ] ، وهذا قد عمل سوء ثم تاب فهو تائب من جهة ، وغير تائب من جهة أخرى/ ، وهذا لا يتنافى إلا لو كان من جهة واحدة في حين واحد من شخص{[3236]} واحد . وما ذلك في شخص{[3237]} واحد إلا بمنزلته في شخصين{[3238]} تاب أحدهما من ذنوبه والآخر لم يتب فهل يمنع الذي لم يتب قبول توبة التائب ؟ وإذا صحت توبة العبد ، فإن كانت عن{[3239]} الكفر قطعنا بقبولها وإن كانت عما{[3240]} سواه في المعاصي ، فمن العلماء من يقطع بقبولها{[3241]} ، ومنهم من لا يقطع بقبول ذلك وظنه ظنا{[3242]} ، وهذا عندي هو الأصح لأن هذا لا يعرف من طريق العقل وإنما يلجأ فيه إلى السمع والظواهر التي أتت بالقبول ليست بعوض لاحتمال التأويل{[3243]} ، وإنما هي عمومات معرضة للتأويل كقوله تعالى : { هو الذي يقبل التوبة عن عباده } [ الشورى : 25 ] ، فكيف يصح القطع مع ذلك ، والسوء في الآية يعم الكفر والمعاصي{[3244]} .
وقوله{[3245]} : { بجهالة } اختلف في معناها فقيل : الجهالة السفاهة ، قاله جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال قتادة : اجتمع{[3246]} أصحاب سيدنا{[3247]} محمد صلى الله عليه وسلم على أن كل معصية فهي جهالة عمدا كانت أو جهلا . وقال به ابن عباس ومجاهد{[3248]} والسدي{[3249]} . وروي عن مجاهد والضحاك{[3250]} أنهما قالا : الجهالة هنا العمد{[3251]} ، وقال عكرمة{[3252]} : أمور الدنيا كلها جهالة يريد بها الخارجة عن طاعة الله ، وقيل : بجهالة لا يعلم كنه العقوبة . واختلف في معنى قوله : { من قريب } {[3253]} ، فقال ابن عباس والسدي : معنى ذلك قبل المرض والموت . وقال أبو مجلز{[3254]} ومحمد ابن قيس والضحاك وعكرمة وابن يزيد{[3255]} وغيرهم : معنى ذلك قبل معاينة الملائكة وأن يغلب المرء على نفسه . وروي أن الله تعالى لما خلق آدم عليه السلام فرآه إبليس أجوف ثم جرى له ما جرى/ ولعن وأنظر ، وقال : " وعزتك لا برحت من قبله ما دام فيه الروح " ، فقال : " وعزتي لا أحجب عنه التوبة ما دام فيه الروح " {[3256]} . وقال إبراهيم النخعي{[3257]} : كان يقال التوبة مبسوطة لأحدكم ما لم يأخذ بكظمه ، وروى أن النبي صلى الله عله وسلم قال : " إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ويغلب على عقله " {[3258]} ، وقيل : قوله تعالى : { من قريب } معناه : من قريب إلى وقت الذنب .