18 قوله تعالى : { حتى إذا حضر أحدهم الموت } الآية :
هذا كما كان فرعون حين صار في غمر الماء والغرق فلم ينفعه ما أظهر من الإيمان . واختلف الناس في هذه الآية التي ذكرنا هل هي منسوخة أم محكمة ؟ فذهب بعضهم إلى أنها منسوخة بقوله تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } [ النساء : 48 ] ، قالوا : فحرم الله تعالى المغفرة لمن مات كافرا وأرجى أهل المعاصي من أهل التوحيد إلى مشيئته{[3259]} ، فلم يؤيسهم من المغفرة ورأوا أن الآية الأولى تعطي أنه إذا لم تقبل توبة العاصي فلن يغفر الله له ، وذهب أكثرهم إلى أن الآية لا تنفي أن يغفر{[3260]} للعاصي الذي لم تقبل توبته ، وهو الذي لا يتوب من قريب فيضطر إلى أن يقول : إن قوله تعالى : { ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } ناسخ لها ، وإنما نفت هذه الآية أن يكون تائبا فلم يتب إلا عند حضور الوفاة . وطعن بعضهم في قول من جعل الآية منسوخة بأن الآية خبر والأخبار لا يدخلها النسخ . وهذا الاعتراض ساقط لأن الآية وإن كانت خبرا فقد تضمنت حكما ، وإذا كانت كذلك جاز أن تنسخ وعندنا أن المرتد إذا تاب قبلت توبته . وذهب بعضهم إلى أنه لا تقبل توبته ، وحجتنا على من قال ذلك قوله تعالى : { إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة } {[3261]} الآية ، وقوله : { وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات ويعلم ما تفعلون ) الآية [ الشورى : 25 ] ، {[3262]} وقوله{[3263]} : { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } [ الأنفال : 38 ] .