25 قوله تعالى : { من لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات } {[3627]} :
اختلف في الطول ما هو ؟ فقال ابن عباس وغيره ومالك وأصحابه : الطول هنا{[3628]} : السعة في المال ، وقال ربيعة وإبراهيم النخعي : الطول هنا الجلد والصبر لمن تزوج أمة وهواها حتى صار لذلك لا يستطيع أن يتزوج غيرها ، فإن له أن يتزوج{[3629]} الأمة إذا لم يملك هواها{[3630]} ، وإن كان يجد سعة في المال لنكاح حرة . ثم قوله{[3631]} { لمن خشي العنت منكم } {[3632]} على هذا القول بيان في صفة عدم الجلد . وعلى القول الآخر يكون شرطا زائدا إلى الطول في تزوج الأمة ، والمشهور عن مالك أن الحر لا يجوز له نكاح الأمة إلا مع عدم الطول وخوف العنت ، لقوله تعالى{[3633]} : { ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات } {[3634]} . وهذا من مالك اعتبار بدليل الخطاب ، ولو لم يقل هنا بدليل الخطاب لما ألزم أن يعتبر واحد من الشرطين . والمشهور عن ابن القاسم أن ذلك جائز مع وجود / الطول والأمن من العنت ، وهذا على قول بأن دليل الخطاب لا يعتبر . ويعضد ذلك قوله تعالى : { وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم } [ النور : 32 ] ، وقد روي عن مالك مثل قول ابن القاسم ، وعن ابن القاسم مثل قول مالك{[3635]} ، والعلة في المنع من ذلك إلا بشرطين{[3636]} عند من قال بدليل الخطاب الكراهية للحر أن ينكح نكاحا يرق فيه ولده ، فعلى هذا إذا{[3637]} تزوج الحر أمة من يعتق عليه ولده منها أو كان لا يولد له جاز نكاحه مع عدم الشرطين . والذين ذهبوا إلى أن الطول في الآية السعة في المال ، اختلفوا في تقديره ، فقيل : هو أن يجد صداق الحرة{[3638]} ويقدر على نفقتها . وقيل : بل{[3639]} هو أن يجد صداقا لها وإن عجز عن نفقتها ، والأول أصح . واختلف في الحرة تكون تحت الرجل هل هي طول تمنعه من نكاح الأمة أم لا ؟ على قولين : وظاهر القرآن المنع مع وجود الحرة ، ولذلك مالك{[3640]} يقول : لا يجوز نكاح الأمة على الحرة ويفسخ إن وقع ثم إنه رجع إلى أنه يجوز وتخير المرأة{[3641]} . والمنع من الآية أظهر ؛ لأنه تعالى إنما شرط تزوج الأمة مع عدم القدرة على الحرة{[3642]} ، فإذا تقدمت المقدرة عليها وكان متزوجها{[3643]} منع من نكاح الأمة .
واختلف أيضا إذا كانت تحته أمة ثم تزوج حرة هل يفسخ نكاح الأمة أم لا ؟ وقال مسروق : الأمة كالميتة تضطر إليها ، فإذا أغناك الله عنها فاستغن . وأنكر غيره هذا القول ، وقال : من شبه الأمة بالميتة فقد غلط ، لأن الله عز وجل جعل الأمة لمتزوجها{[3644]} عند الإباحة{[3645]} حلالا . والميتة حرام قبل الاضطرار وبعده عينها لا/ تنتقل عن التحريم . والمحصنات في هذا الموضع الحرائر ، يدل عليه التقسيم{[3646]} بينهن وبين الإماء ، وقيل : معناه العفائف ، وهذا ضعيف ؛ لأن الإماء يقعن{[3647]} تحته . قال بعضهم : ولأنه يلزم من قال ذلك أن يحرم على الناس أن يتزوجوا غير عفيفة . وقوله تعالى : { والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين } [ النور : 3 ] ، الآية : منسوخ . وقد وصف الله تعالى المحصنات بالمؤمنات ، فاختلف بسبه{[3648]} ذلك في الحرة الكتابية بعد القول بأن الحرة طول تمنع نكاح الأمة هل هي طول تمنع نكاح الأمة أم لا ؟ على قولين : فمن منع{[3649]} نكاح الإماء مع القدرة على نكاح الكتابية ، فالمؤمنات عنده صفة غير مشترطة ، وإنما جاءت لأنها مقصد النكاح ، إذ الأمة مؤمنة وغاية ما في هذا ترك الأخذ بدليل الخطاب . ومن رأى أنه يتزوج الأمة وإن كان قادرا على نكاح كتابية فصفة المؤمنات عنده مشترطة في المحصنات وغاية هذا الأخذ بدليل الخطاب{[3650]} .
وقوله تعالى : { فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات } :
هذه المخاطبة " بالكاف " " والميم " عامة أي منكم الناكحون وفيكم{[3651]} المالكون ؛ لأن الرجل ينكح فتاة نفسه . ومثل هذا التوسع في الكلام كثير{[3652]} ، وقد وصف الله تعالى الفتيات ، وهن الإماء بالمؤمنات . وعلى الخلاف في دليل الخطاب اختلف في جواز{[3653]} نكاح الإماء غير المؤمنات{[3654]} ، فمن قال بدليل الخطاب في{[3655]} الآية لم يجز نكاحهن وهو قول{[3656]} مالك وجمهور أصحابه ، وجعل المؤمنات هنا وصفا مشترطا . ومن لم يقل بدليل خطاب الآية أجاز نكاح الإماء غير المؤمنات ، وهو قول أبي حنيفة وغيره في إماء/ أهل الكتاب وجعلوا ذكره تعالى : { المؤمنات } إنما هو على الندب ، واحتجوا أيضا بالقياس على الحرائر ، قالوا : لما لم يمنع قوله : { المؤمنات } {[3657]} في الحرائر من نكاح الكتابيات الحرائر{[3658]} فكذلك لا يمنع قوله : ( المؤمنات ) في الإماء من نكاح الكتابيات الإماء ، وإذا قلنا بجواز نكاح الأمة للحر فله في قول مالك والزهري وأبي حنيفة وغيرهم نكاح أربع من الإماء ، إذا خشي على نفسه العنت ولم يكفه أقل من أربع . وقال قتادة والشافعي وغيرهما : لا ينكح أكثر من واحدة من الإماء . قول حماد بن أبي سلمان{[3659]} : لا يتزوج منهن أكثر من اثنتين{[3660]} . وإطلاق قوله : { من فتياتكم المؤمنات } {[3661]} يدل على صحة القول الأول والحر والعبد عند أكثر أهل المذهب في نكاح الإماء الكتابيات سواء خلافا لأشهب في إجازته ذلك للعبد . والحجة للقول الأول : أن الخطاب بالآية يعم الأحرار والعبيد ، فمن فرق بينهما فعليه الدليل .
وقوله تعالى : { فانكحوهن بإذن أهلهن } :
يريد بإذن أربابهن المالكين لهن ، وقد اختلف في من تزوج أمة بغير إذن سيدها هل للسيد أن يجيزه ، فيجوز النكاح{[3662]} أم لا ؟ على قولين{[3663]} وهما مرويان عن مالك . المشهور منهما أنه لا يجوز وإن أجازه السيد ، بخلاف العبد المشهور فيه أنه إذا تزوج{[3664]} بغير إذن سيده أنه{[3665]} يجوز إن أجازه السيد . وفي مذهب مالك قول آخر أنه لا يجوز وإن أجازه السيد . والحجة للمشهور من القولين{[3666]} في الأمة الآية ، فلم يجز تعالى{[3667]} نكاحهن إلا بإذن أربابهن{[3668]} فمن تزوج أمه بغير{[3669]} إذن سيدها{[3670]} فنكاحه فاسد لخلوه من الشرط الصحيح الذي شرطه الله/ تعالى فيهن .
وقوله تعالى : { وآتوهن أجورهن } : يريد مهورهن و { بالمعروف } : معناه بالشرع والسنة . وهذا يقتضي أنهن أحق بمهورهن من السادة وهو قول مالك خلافا لغيره{[3671]} من أن للسيد{[3672]} أن يأخذ{[3673]} صداقها إلا قدر ما تحل به ، ولسحنون نحوه . وحكي عن بعض أهل العراق أنه قال : لا بأس أن يزوج الرجل عبده أمته بغير صداق ، وهذا القول مخالف لكتاب الله تعالى ، لأنه قال : { وآتوهن أجورهن } {[3674]} ، فوجب أن تكون الأجور لهن حرائر كن أو إماء ولو كان السيد أن يزوج عبده أمته بغير صداق ، أو كان الصداق إنما هو له ، فله أن يوجبه وله أن يبطله للزم{[3675]} أن يزوج أمته من غير عبده أو من حر على أن لا صداق ، فيصل إلى أن يهب الفرج ، وهذا مما لا يجوز لأحد إذ خص به النبي صلى الله عليه وسلم في الحرائر .
وقوله تعالى : { محصنات } :
معناه : عفيفات أو مسلمات ، والعامل في هذه الحال فانكحوهن ، ويحتمل أن يكون العامل فيها فأتوهن ، ويكون معنى : محصنات مزوجات والمسافحات الزواني المبتذلات اللواتي هن سوق للزنا ، ومتخذات الأخذان هن المستترات اللواتي{[3676]} يصحبن واحدا واحدا ويزنين خفية . وهذان{[3677]} كانا نوعين من زنا الجاهلية ، قال ابن عباس وغيره .
وقوله تعالى : { فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة } :
اختلف فيما هو هذا الإحصان{[3678]} فقال الجمهور : هو الإسلام ، فإذ زنت الأمة المسلمة حدت نصف حد الحرة ، وعلى هذا يكون حد الأمة إذا زنت قبل التزويج{[3679]} وبعده بالقرآن والحديث . وقالت فرقة : إحصانها الذي في الآية : هو التزويج لحر{[3680]} فإذا زنت/ الأمة المسلمة التي لم تتزوج فلا حد عليها ، قاله سعيد ابن جبير والحسن وقتادة . وقالت فرقة : الإحصان في الآية التزوج إلا أن الحد واجب على الأمة المسلمة غير المتزوجة بالسنة وهو ما جاء في " الموطأ " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة ؟ إذا زنت ولم تحصن ، فقال : " إذ زنت فاجلدوها ، ثم إن زنت فاجلدوها ، ثم إن زنت فاجلدوها " {[3681]} . وقال الزهري : فالمتزوجة محدودة بالقرآن والمسلمة غير المتزوجة محدودة بالحديث . ومما يعضد قول من رأى{[3682]} أن الإحصان في الآية التزوج ، وأن الصفة لهن بالإيمان قد تقدمت من قوله تعالى : { من فتياتكم المؤمنات } ، فذلك{[3683]} يغني عن ذكر الإسلام هنا ، فأن يكون معنى التزوج أولى . والفاحشة هنا الزنا بقرينة{[3684]} إلزام الحد كما قال بعضهم ، وعندي أن الفاحشة هنا تعم الزنا والقذف وكل ما يمكن أن يتبعض من الحدود والمحصنات هنا الحرائر المسلمات الأبكار لا الحرائر المتزوجات لأن حد{[3685]} الحرائر المتزوجات{[3686]} الرجم وهو لا يتبعض وسمي الأبكار محصنات ، لأن الإحصان يكون بهن ، وقد ذهب قوم إلى أن العبد المحصن . والأمة المحصنة يرجمان كالأحرار ، ولفظ الآية كما قدمنا يرد ذلك ؟ لأن الرجم ليس بمحدود معلوم{[3687]} ، فيتصف{[3688]} وإنما أراد تعالى ما يمكن فيه{[3689]} التصنيف{[3690]} ، فمن قال ذلك فقد خالف الآية ، وحد الحرائر المسلمات غير المتزوجات وهن الأبكار جلد مائة دون تغريب عندنا . وعند الشافعي{[3691]} أنه تغريب ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم{[3692]} " البكر بالبكر{[3693]} جلد مائة{[3694]} وتغريب عام " فإن قلنا : إن الحد دون / تغريب{[3695]} فالذي يلزم المرأة من الإماء بنص القرآن نصف ذلك ، وهو خمسون جلدة وهو قول مالك وجميع أصحابه وأحد قولي الشافعي وقول ابن عباس وغيره . وإذا قلنا{[3696]} : إن حد الحرة المسلمة مائة وتغريب عام ، فالذي يلزم المرأة من الإماء بنص القرآن نصف ذلك وهو خمسون جلدة وتغريب ستة أشهر ، وهو أحد قولي الشافعي والعبد بمنزلة الأمة ، فيما ذكرنا لا فرق بينهما . خلافا لمن لا يرى على العبد حدا أصلا أحصن أو لم يحصن ، لأنه يرى أن{[3697]} سورة النساء في الإماء{[3698]} خاصة ، وآية النور في الأحرار{[3699]} خاصة ، ولم يأت للعبد ذكر ، ولم ير القياس بقي أن يكون على العبد{[3700]} حد في الزنا ، وهو قول ظاهر الفساد وخلافا لأهل الظاهر من إيجابهم على العبد في الزنا مائة جلدة كالحرة احتجاجا بقوله تعالى : { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } [ النور : 2 ] ، ويخصصون الإناث من ذلك بعموم قوله تعالى{[3701]} : { فعليهن نصف ما على المحصنات } ، ونحن نرى العبد لاحقا بالأمة{[3702]} فيتخصص{[3703]} بذلك وهو الأمة من عموم آية النور وإلحاق{[3704]} العبد بالأمة{[3705]} من هذا ونحوه أو الأمة بالعبد في نحو قوله عليه الصلاة والسلام{[3706]} : " من أعتق شركا له في عبد " {[3707]} مختلف في تسميته قياسا والأصح أنه ليس بقياس وعلى حد الزنا قياس{[3708]} مالك{[3709]} عدة الإماء وإطلاق العبيد .
وقوله تعالى : { ذلك لمن خشي العنت منكم } :
ذلك إشارة{[3710]} إلى نكاح الأمة ، واختلف في تفسير العنت ، فقيل هو{[3711]} : المشقة ، وقيل : هو الزنا ، وقيل : الإثم ، وقيل : الحد .
وقوله تعالى : { وأن تصبروا خير لكم } :
ندب منه تعالى إلى الترك وعلته ما يؤدي إليه نكاح الإماء من استرقاق الولد ومهانتهن .