– قوله تعالى : { والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ( 39 ) . . . } إلى قوله تعالى : { فمن عفا وأصلح فأجره على الله } :
اختلف في هذه الآية هل هي محكمة أو منسوخة ؟ فذهب قوم إلى أنها منسوخة ، قالوا وكانت قد نزلت في بغي المشرك على المؤمن فأباح لهم الانتصار عليهم دون تعد وجعل العفو والإصلاح مقرونا بأجر ثم نسخ ذلك بآية السيف . وذهبت جماعة إلى أنها محكمة واختلفوا في معناها بعد اتفاقهم على أن من بغي عليه فجائز له أن ينتصر بيد الحق وحكام المسلمين . فذهب قوم إلى أنهم كانوا يكرهون أن يذلوا نفسهم فيجترئ عليهم الفساق . وقال مقاتل الآية في المجروح المنتصف من الجارح بالقصاص . فعلى هذا الآية في المؤمنين خاصة ، ومن بغي عليه من ظلم فجائز له أن ينتصف لنفسه ويخون من خانه في المال حتى ينتصف منه . وقالوا إن الحديث : " ولا تخن من خانك " إنما هو في رجل سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل يزني بحرمة من زنى بحرمته فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " ذلك يريد به الزنا " . وإلى هذا ذهب الشافعي . واحتج أيضا بحديث هند {[10461]} امرأة أبي سفيان ، وأنكره مالك وغيره ولم يروا الآية بهذا المعنى واحتجوا بعموم الحديث : " أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك " {[10462]} ورجح قوم من العلماء الانتصار من الظالم وقالوا انتصار بالواجب تغيير منكر ، ومن لم ينتصر مع إمكان الانتصار فقد ترك تغيير المنكر {[10463]} .
– قوله تعالى : { والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ( 39 ) } :
يدل ظاهره على أن الانتصار في هذا الموضع أفضل وهو محمول على ما ذكر النخعي من أنهم كانوا يكرهون للمؤمنين أن يذلوا أنفسهم فيجترؤوا عليهم الفساق بهذه الآية في الانتصار فمن تعدى وأصر على ذلك ، والموضع المأمور فيه بالعفو إذا كان الجاني نادما مقلعا وقد قال عقب هذه الآية : { ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل ( 41 ) } ويقتضي ذلك إباحة الانتصار لا الأمر به {[10464]} . وقال إسماعيل القاضي في قوله تعالى : { والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ( 39 ) } ، وهذا عندي أن الله تعالى أعلم فيما كان لله عز وجل من أمر أو نهي عن باطل أو منكر . فمن فعل ذلك به فلا ينبغي له أن يصبر على المذلة بل يعز نفسه ، ففي ذلك إعزاز للدين . وأما إذا كان البغي عليه في نفسه لا يتعدى إلى الشريعة فصبر واحتسب فذلك حسن .