– قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم . . . } إلى قوله تعالى : { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى } :
ذكر {[10539]} بعضهم لقوله تعالى : { لا يسخر قوم من قوم } سببا . فقال : إنها نزلت بسبب عكرمة بن أبي جهل وذلك أنه كان يمشي بالمدينة مسلما فقال له قوم : هذا ابن فرعون هذه الأمة . فعز ذلك عليه وشكاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم {[10540]} . ويسخر : معناه يستهزئ . فأمر الله تعالى في هذه الآية بترك الاستهزاء ودعا إلى مكارم الأخلاق ، وكذلك ما بعدها من الآيات إنما هي أمر بمكارم الأخلاق ودعاء إلى حسن الأدب .
– قوله تعالى : { ولا تلمزوا أنفسكم } :
اللمز : الطعن على الرجل بذكر نقيصة فيه ونحو ذلك . وقد اختلف في الفرق بين اللمز والهمز . فقيل اللمز بالقول والإشارة ونحوه مما يفهمه الآخر ، والهمز لا يكون إلا باللسان . وقيل اللمز ما كان في المشهد والهمز ما كان في المغيب وقيل عكس ذلك {[10541]} .
وقوله تعالى : { أنفسكم } معناه لا يلمز بعضكم بعضا ، فقد نهى تعالى في هذه الآية أن يعيب أحد أحدا . قال أبو الحسن : وأما من كان معينا بالفجور فتعييبه به جائز{[10542]} .
وقوله تعالى : { ولا تنابزوا بالألقاب } :
والتنابز التلقب ، والنبز واللقب واحد . وهو ما يعرف به الإنسان من الأسماء التي يكره سماعها . وروي أن سبب هذه الآية أن بني سلمة كانوا قد حدث فيهم الألقاب فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا منهم فقال له : " يا فلان فقيل له إنه يغضب من هذا الاسم ، ثم دعاه آخر كذلك ، فنزلت الآية {[10543]} . وليس من هذا تعليق أهل الحديث وغيرهم فيما بينهم : قال واصل الأحدب {[10544]} وقال سليمان الأعمش{[10545]} : لأن ذلك مما تدعو الضرورة إليه وليس فيه قصد استخفاف وإنما المراد به تعرف الرجل . وقد قيل في الآية وفي سببها غير هذا . فقيل معنى قوله تعالى : { ولا تنابزوا بالألقاب } لا يقل أحد لأحد : يا يهودي ، بعد إسلامه ، ولا يا فاسق ، بعد توبته ونحو هذا . وحكي في سببها أن كعب بن مالك وابن أبي حدرد{[10546]} تلاحيا فقال له كعب : يا أعرابي ، يريد أن يبعده عن الهجرة ، فقال له الآخر : يا يهودي ، يريد لمخالطة الأنصار اليهود في يثرب . فنزلت الآية . ففي سببها إذن قولان وفي معناها قولان {[10547]} .
وقوله تعالى : { بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان } :
يحتمل أن يريد بئس الاسم الفسوق الذي تكتسبونه بعصيانكم لأمر الله وتنابزكم فيما بينكم بالألقاب ، وذلك الاسم الفسوق لمعصيتكم بعد إيمانكم . ويحتمل أن يريد بئس ما يقوله الرجل لأخيه من : يا فاسق ونحوه . وقد استدل الرماني بهذه الآية لمذهب المعتزلة في أنه لا يجتمع الفسوق والإيمان ، وهو استدلال ضعيف . بل ظاهر الآية على أنهما يجتمعان .
وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم } :
لم يعم تعالى النهي عن جميع الظن لأن من الظن ما يكون خيرا وهو ظن الخير بالناس ، وأما الذي نهى عنه فهو ظن الشر ، وأكثر العلماء على أن الظن القبيح بمن ظاهره الخير لا يجوز وأنه لا حرج في الظن القبيح بمن ظاهره قبيح .