قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) {[6809]} :
تدل هذه{[6810]} الآية{[6811]} على أن الموالاة بين{[6812]} المسلمين والكفار منقطعة شرعا ، وأن التوارث بينهم{[6813]} لا يصح .
وقوله تعالى في الكفار : { بعضهم أولياء بعض } : يدل{[6814]} على إثبات على الشرع{[6815]} الموالاة بين الكفار حتى يتوارث اليهود والنصارى بعضهم من بعض ، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وداود . وذهب مالك إلى أن النصراني لا يرث اليهودي ، واليهودي لا يرث النصراني{[6816]} ، والمجوسي لا يرث أحدا{[6817]} منهما ولا يرثانه ، ورأى هذه مللا{[6818]} مختلفة ، واعتمد على ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يتوارث أهل ملتين " {[6819]} . وانفصل{[6820]} الشافعي وأبو حنيفة وأبو داود عن هذا الحديث بأن الكفر كله ملة واحدة اليهود والنصارى والمجوس ، والنبي صلى الله عليه وسلم{[6821]} إنما عنى بالملتين المسلمين والكافرين{[6822]} فيكون كقوله عليه الصلاة والسلام{[6823]} : " لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم " {[6824]} . واحتجوا بقوله تعالى : { ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم } [ البقر ة : 120 ] ، قالوا{[6825]} : فجعلهم تعالى{[6826]} " ملة واحدة " وقال تعالى : { لكم دينكم ولي دين } [ الكافرون : 6 ] ، فوحد الدين{[6827]} ولم يقل أديانكم . ولما اعتقد مالك رحمه الله تعالى{[6828]} أنواع الكفر مللا مختلفة لم ير التوارث للحديث ، ولقوله تعالى : { لكل جعلنا منكم{[6829]} شرعة ومنهاجا } . وقد قال بعض الناس أن الملل أربعة : فالسامرية واليهود ملة{[6830]} ، والصابئون والنصارى ملة ، والمجوس ومن لا كتاب لهم{[6831]} ملة ، والإسلام كله ملة{[6832]} . ويحكى هذا المذهب عن شريح{[6833]} وشريك{[6834]} وابن أبي ليلى . واستدل بعضهم بقوله تعالى : { ومن يتولهم منكم فإنه منهم } ، على منع إثبات ميراث المسلمين من المرتدين ، وأنه لبيت المال خلافا لمن قال : إنه لورثتهم من{[6835]} المسلمين ، وهو قول الأوزاعي وأحد قولي أبي حنيفة . وخلافا لمن قال : ما كسبه في إسلامه{[6836]} فهو لورثته ، وما كسبه في ردته{[6837]} فهو للمسلمين ، وهو أحد قولي أبي حنيفة . وخلافا لمن قال{[6838]} : إن قتل على ردته{[6839]} فماله لورثته ، وإن لحق بدار الحرب فماله للمسلمين ، وهو قول الثوري ، وخلافا لمن قال : ميراثه لأهل الدين الذين ارتد إليه ، وهو قول قتادة . وفي هذه الآية أيضا والآية بعدها بقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء } [ المائدة : 57 ] الآية{[6840]} ، دليل على منع الاستنصار بالمشركين ، وهو مذهب الشافعي . وأبو حنيفة جوز الاستنصار بهم على المشركين للمسلمين ، والقولان في مذهب مالك رحمه الله تعالى ، وكتاب الله تعالى يدل على خلاف{[6841]} ما قاله المجيزون ، وقول{[6842]} النبي صلى الله عليه وسلم : " لن نستعين بمشرك " {[6843]} .