103 - وقوله تعالى : { لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار } :
وقوع رؤية الباري تعالى مما {[8099]} يستند فيه إلى الشرع فأما العقل فلا مجال له في ذلك لكنه يعطي إمكان الرؤية . فأما القطع بوقوعها فإنما ذلك يستند فيه إلى الشرع{[8100]} . فلذلك لا تكون المسألة إلا فقهية .
وقد اختلف في ذلك الناس . فأهل السنة يجيزون الرؤية عقلا إذ كل موجود يصح أن يرى ، والمعتزلة يحيلونها عقلا ويرون أنه يلزم عليها أن يكون الباري تعالى في جهة ، إلا أنهم اختلفوا هل يرى هو نفسه أم لا . فمنهم من أجاز ومنهم من منع .
وأما وقوع الرؤية فأهل السنة متفقون{[8101]} على أنه تعالى يرى في الآخرة ومستندهم {[8102]} في ذلك إلى{[8103]} الإجماع من الأولين من ابتهالهم إلى الله تعالى في طلب لذة النظر إلى وجهه الكريم وإلى الكتاب العزيز . وأقوى ما يدل عليه فيه قول سيدنا موسى عليه السلام : { رب أرني أنظر إليك } [ الأعراف : 143 ] . وإلى السنة كقوله عليه الصلاة والسلام : " وإنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته ولا تضارون " {[8104]} الأحاديث في ذلك كثيرة لا تنحصر .
وأما المعتزلة فأنكروا ذلك واستدلوا على امتناع الوقوع بقوله تعالى : { لن تراني } [ الأعراف : 143 ] وبقوله تعالى : { لا تدركه الأبصار } وأجاب أهل السنة عن هذا بأن معنى قوله تعالى : { لن تراني } أي لن تراني في الدنيا أي أن {[8105]} الرؤية إنما تكون في الآخرة . وقوله تعالى : { لا تدركه الأبصار } {[8106]} معناه لا تدركه إدراك إحاطة به من جوانبه كما تحيط الرؤية بالأجسام . ويجوز أن يريد لا تدركه الأبصار في الدنيا ، فهو عام أريد به الخصوص .
وقد اختلف أهل السنة هل{[8107]} رأى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء ربه تعالى بعيني رأسه أم لا ؟ وقد أنكرت عائشة رضي الله تعالى عنها وقالت لمن سألها عن ذلك : " قف شعري لما قلت " {[8108]} وهذه الرؤية في الآخرة من أعظم ما ينعم الله تعالى به على عباده المؤمنين . فلا يجوز أن يراه الكفار . ولم يزل الناس مجمعين {[8109]} على ذلك حتى نشأ رجل يعرف بأبي الحسن بن هاشم البصري{[8110]} وقال إن الكفار يرون ربهم يوم القيامة . وتبعه على ذلك قوم وهو خطأ صراح . فإن الله تعالى يقول في الكفار : { كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ( 15 ) } [ المطففين : 15 ] والنظر بقصد ذلك{[8111]} .