قوله تعالى : { ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين ( 80 ) } إلى قوله تعالى : { وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين ( 84 ) } :
الفاحشة هنا إتيان الرجال {[8394]} في أدبارهم ولم يكن هذا قط إلا في قوم لوط . ويدل على ذلك قوله تعالى : { ما سبقكم بها من أحد من العالمين } وروي أنهم كانوا يأتون بعضهم بعضا . وروي {[8395]} أنهم كانوا يأتون الغرباء وحكي أن إبليسا كان أصل {[8396]} عملهم بأن دعاهم إلى نفسه {[8397]} وهذه الأمة التي يعزى إليها لوط عليه السلام كانت تسمي سدوم . ولا اختلاف بين الأمة في تحريم هذا {[8398]} الفعل {[8399]} . واختلف في حد من فعله من الفاعل والمفعول به . فقال أبو حنيفة لا حد فيه وإنما فيه التعزير ويستودع السجن حتى يموت . وقال الشافعي حده حد الزاني ويعتبر فيه الإحصان من غير الإحصان {[8400]} . وروي عن مالك مثله {[8401]} . وقيل الحد فيه التحريق بالنار ، وقد حرق أبو بكر رجلا يسمى الفجاءة {[8402]} حين عمل عمل قوم لوط .
وذهب مالك رحمه الله في المشهور عنه إلى أنهما يرجمان أحصنا أو لم يحصنا . والحجة لمالك أنه تعالى عاقبهم بأن أمطر عليهم حجارة من سجيل وهو المراد بقوله في هذه السورة : { وأمطرنا عليهم مطرا } . إنما كان المطر حجارة ويؤيد هذا قوله في آية أخرى : { وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل } [ الحجر : 74 ] فإذا كان الله تعالى عاقبهم بالرجم بالحجارة في ذلك الوقت ولم يكن بد من حد في ذلك كان العقاب الذي عاقب به تعالى في ذلك أولى من إحداث عقاب آخر . ويؤيد هذا ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم : " من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فارجموا الفاعل والمفعول {[8403]} " فأما إن لاط الرجل بنفسه فأولج في دبره فعندنا أنه لا حد فيه وأنه يعزر . وقيل يقتل كما لو لاط بغيره وهو أحد أقوال الشافعي ، وقيل هو كالزاني في الإحصان وغير الإحصان وهو أيضا أحد أقوال الشافعي{[8404]} والحجة لمالك أن الآية نزلت في قوم يفعلون ببعضهم بعضا فينبغي أن يقتصر بالعقوبة النازلة في ذلك على موضعها ولا يتعدى {[8405]} إلى غيرها إلا أن يدل دليل . وأما وطء أدبار الزوجات فقد مر الكلام عليه في سورة البقرة {[8406]} وقد استدل بعضهم بهذه الآية على تحريم إيتاء النساء في أدبارهن بقوله تعالى : { إنهم أناس يتطهرون } [ الأعراف : 82 ] . قال {[8407]} لأن مأتى الذكر إنما هو موضع واحد فعاب {[8408]} قوم لوط لوطا وآله {[8409]} بأنهم يتنزهون عن ذلك الموضع . فإن قيل إن التطهر إنما هو واقع على اجتناب المحرم دون الموضع قيل له إنما لم يجر {[8410]} للتحريم ذكر وإنما قال يتطهرون فهو إتيان الموضع ، فيكون معنى يتطهرون على قول هذا القائل يتطهرون عن {[8411]} الأدبار أي يتنزهون وهو قول مجاهد . وقيل معناه يتطهرون عن حالنا وعادتنا أي يتنزهون {[8412]}وعلى هذا لا تكون فيه حجة .