58 – قوله تعالى : وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء }
فأما قوله تعالى : { وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء } ، فقيل هي عامة في كل من يخاف منه خيانة إلى آخر الأبد {[8752]} . وقال أكثر المفسرين إن هذه الآية في بني قريظة ، وذهب بعض المتأخرين إلى أنها في ما عدا بني قريظة {[8753]} فيما يستأنف وهو قول {[8754]} ظاهر الفساد . واختلف المفسرون في معنى : تخافن ، هنا . فقيل معناه أن تكون الخيانة متوقعة غير متيقنة ، فالخوف على بابه . وقال بعضهم تخاف في هذه الآية بمعنى تعلم {[8755]} . فأمر الله تعالى في هذه الآية نبيه عليه الصلاة والسلام إذا شعر {[8756]} من قوم خيانة أن ينبذ إليهم عهدهم {[8757]} أي يلغيه {[8758]} ويحاربهم إذ لم يلتزموا العهد .
وقوله تعالى : { على سواء } : اختلف فيه فقيل أي حتى يكونوا في استشعار المحاربة سواء وقيل أي على معدلة ، وقال الوليد بن مسلم {[8759]} معناه على مهل كما قال تعالى : { براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين ( 1 ) فسيحوا في الأرض أربعة أشهر } الآية [ التوبة : 1 ، 2 ] . وقال الفراء {[8760]} المعنى {[8761]} فانبذ إليهم على اعتدال أي بين لهم على قدر ما ظهر منهم لا تفرط ولا تعجل بحرب بل افعل بهم مثل ما فعلوا {[8762]} فإن قيل قد غزا النبي صلى الله عليه وسلم أهل مكة قبل أن ينبذ إليهم عهدهم الذي كان بينه وبينهم ، فالجواب أنه عليه الصلاة والسلام لم ينبذ إليهم عهودهم {[8763]} بل غزاهم ابتداء {[8764]} لأنهم كانوا قد نقضوا العهد بمعاونة هذيل على جرأتهم على حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك جاء أبو سفيان {[8765]} إلى المدينة يسأل تجديد العهد بينه وبين قريش فلم يجبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك {[8766]} فمن أجل ذلك لم يحتج إلى النبذ {[8767]} إليهم إذ كانوا قد أظهروا نقض العهد بنصب الحرب لحلفاء النبي صلى الله عليه وسلم .