قوله تعالى : { لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه . فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ( 108 ) } :
اختلف في الضمير في { فيه رجال } على من يعود ، وفي الرجال . فقيل الضمير عائد على مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والرجال جماعة الأنصار . وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم : " يا معشر الأنصار إني رأيت الله تعالى أثنى عليكم بالطهور فماذا تفعلون ؟ " قالوا يا رسول الله إنا رأينا جيراننا من اليهود يتطهرون بالماء ففعلنا نحن كذلك فلما جاء الإسلام لم ندعه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فلا تدعوه أبدا " {[9266]} يريدون بالتطهير الاستنجاء . وقيل الضمير عائد على مسجد قباء ، والمراد بنو عمرو بن عوف {[9267]} . وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تلك المقالة لهم ، وكنى الله تعالى في هذه الآية على الاستنجاء بالتطهر . ففي الآية دليل صحيح على إجازة الاستنجاء بالماء ، وهي مسألة قد اختلف أهل العلم فيها . فلم ير قوم منهم الاستنجاء بالماء ورأوه بالأحجار منهم حذيفة وسعد بن مالك {[9268]} والزبير وقال : لعن الله غاسل أسته . وقال ابن المسيب : هل يفعل ذلك إلا النساء . وكان الحسن البصري لا يغسل بالماء . وقال عطاء غسل الدبر محدث . ولم يجز ابن حبيب الاستنجاء إلا بالماء فأما بالأحجار مع وجود الماء فلا وهو قول شذ فيه . أجاز الجمهور الاستنجاء بهما جميعا ، أجازه بالماء للآية المتقدمة والحديث ، وأجازوه بالأحجار للحديث {[9269]} وهذا القول أحسنهما ، والقول الأول مردود بالآية ، والثاني مردود بالحديث ، إلا أنهم اختلفوا في الأفضل على ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه الماء . والثاني : أنه الأحجار . والثالث : الجمع بينهما . فالأحجار لإزالة غير النجاسة والماء لإزالة أثرها . والحجة للقول بتفضيل الماء وهو الذي عليه أكثر المذاهب أن الله تعالى قد ذكر استنجاءهم بالماء ثم قال : { والله يحب المطهرين } أي يجب ذلك ما أوجب الله تعالى فهو الأفضل . وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن ، والجن يستفتونه على الاستنجاء ، فقال ثلاثة أحجار ، قالوا وكيف بالماء . قال هو أطهر وأطيب {[9270]} .