عند ذلك تشير الآية إِلى وجود نور التوحيد في فطرة الإنسان وأعماق روحه وتقول: ( وإذا مسّ الإنسان الضرّ دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائماً ) .
نعم ...إِنّ خاصية المشاكل والشدائد الخطيرة ،أنّها تزيل الحجب عن فطرة الإِنسان الطاهرة ،وتحرق في فرن الحوادث كل الطبقات السوداء التي غطت هذه الفطرة ،ويسطع عندهاولو لمدّة قصيرةنور التوحيد .
ثمّ تقول الآية: إِنّ هؤلاء الأفراد الى درجة من الجهل وضيق الأفق بحيث أنّهم يعرضون بمجرّد كشف الضرّ عنهم ،حتى كأنّهم لم يدعونا ولم نساعدهم: ( فلمّا كشفنا عنه ضرّه مرّ كأن لم يدعنا إِلى ضرّ مسّه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون ) .
أمّا من الذي يزين لهم أعمالهم ؟فقد بحثنا ذلك في ذيل الآية ( 122 ) من سورة الأنعام ،ومجمل الكلام هو:
إِنّ الله سبحانه هو الذي يزين الأعمال ،وذلك بجعل هذه الخاصية في الأعمال القبيحة والمحرّمة ،بحيث أن الإِنسان كلما تلوّث بها أكثر ،فإنّه سيتطبع عليها ،وبمرور الزمن يزول قبحها تدريجياً ،بل وتصل الحال إِلى أن يراها حسنة وجميلة .
وأمّا لماذا سمّت الآية أمثال هؤلاء «مسرفين » فلأنّه لا إِسراف أكثر من أن يهدر الإِنسان أهم رأس مال في وجوده ،إلاّ وهو العمر والسلامة والشباب والقوى ،ويصرفه في طريق الفساد والمعصية ،أو في طريق تحصيل متاع الدنيا التافه الفاني ،ولا يربح من ذلك شيئاً .
ألا يعد هذا العمل إِسرافاً ،وأمثال هؤلاء مسرفين ؟
/خ12