المفردات:
وإذا مس الإنسان الضر: وإذا أصابه أي ضرر .
دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما: تضرع إليها وهو مضطجع على جنبه أو دعانا قاعدا أو قائما ،طالبا إزالته عنه .
مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه: أي: مضى واستمر على ما كان عليه قبل البلاء من التكذيب ،كأنه يلجأ إلينا لإزالة ما أصابه .
زين للمسرفين ما كانوا يعملون: حسن للمتجاوزين الحد في ارتكاب القبائح ما عملوه منها .
التفسير:
12{وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا ...}
من طبيعة الإنسان أن يلجأ إلى الله تعالى في البأساء ،وأن ينسى ذلك في النعماء ؛فمن الناس من إذا نزل به الضر ؛فزع إلى ربه داعيا راجيا .
قال تعالى:{وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونئا بجانبه وإذا مسه الشر كان يئوسا} .( الإسراء: 83 ) .
قال سبحانه:{وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض} .( فصلت: 51 ) .
والآية مع كونها تتناول الكافر تناولا أوليا ،فإنها تشمل كذلك المؤمن العاصي ،فهو في حالة المرض والفقر والخطر يدعو ربه ،صارخا مستغيثا متبتلا راجيا فضله ،متبتلا بذكره ،طارقا باب مولاه بالليل والنهار ،في النوم ،واليقظة والجلوس والقعود ،وفي جميع الحالات .
{دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما} .
أي: دعا الله تعالى حالة كونه مضطجعا لجنبه أو قاعدا أو قائما وفي جميع أحواله ؛لأن فائدة الترديد في القعود والقيام والرقاد ؛تعميم الدعاء لجميع الأحوال .
قال الزمخشري: معناه: أن المضرور لا يزال داعيا لا يفتر عن الدعاء ؛حتى يزول عنه الضر ،فهو يدعونا في حالاته كلها ،سواء أكان منبطحا عاجزا عن النهوض ،أم كان قاعدا لا يقدر على القيام ،أم كان قائما لا يطيق المشي ،ويجوز أن يراد: أن من المضرورين من هو أشد حالا ،وهو صاحب الفراش ،ومنهم من هو أخف وهو القادر على القعود ،ومنهم المستطيع للقيام ،وكلهم لا يستغنون عن الدعاء ،واستدفاع البلاء ؛لأن الإنسان للجنس . viii
{فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه} .
فلما كشف الله كربه ،وأزاح عنه الضر والبلاء ؛اندفع في غمار الحياة ،ناسيا ما كان فيه من ضر وبلاء ،غارقا في بحار الغفلة كأنه لم يكن متلهفا ،متبتلا ،راجيا ،دعيا ،مستغيثا في وقت البلاء ،كثير الدعاء والرجاء .
قال الشوكاني: وهذه الحالة تتفق لكثير من المسلمين ؛تلين ألسنتهم بالدعاء عند نزول ما يكرهون بهم ،فإذا كشفه الله غفلوا ،وذهلوا عما يجب عليهم من شكر النعمة على إجابة دعائهم ،ورفع الضر ودفع المكروه . ix
{كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون} .
زين لهم الإعراض عن الدعاء ،والغفلة عن الشكر ،والاشتغال بالشهوات ،والجدير بالمسلمين أن يلجئوا إلى الله في السراء أيضا ؛فإن ذلك أرجى للإجابة في الضراء .
روى البخاري في صحيحه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( تعرف إلى الله في الرخاء ؛يعرفك في الشدة ) .