ولكن أحياناً بالرغم من بذل الجميع جهودهم لتهيئة مستلزمات زواج إنسان ما لا يفلحون في ذلك ،ممّا يضطره إلى مضي فترة من الزمن محروماً من الزواج ،ولكي لا يظنّ أن إقدامه على الفساد أمراً مباحاً تقتضيه الضرورة أسرعت الآية التالية لتأمره بالطهارة والعفّة فقالت: ( وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله ) .
فيجب عليه تجنّب التلوث والفساد في هذه المرحلة المتأزّمة ومواجهة الامتحان الإِلهي ،حيث لا يقبل أي عذر منه ،فلابدّ أن يمتحن قوّة إيمانه وشخصيته وتقواه في هذه المرحلة .
ويهتم الإسلام كعادته بالعبيد الضعفاء اجتماعياً من أجل تيسير حريتهم ،فيتناول القرآن المجيد مسألة المكاتبة ( وهي تعهد الغلام بتوقيعه اتفاقا ينص على القيام بعمل معيّن أو دفع مبلغ مقابل عتقه ) ،فتقول الآية ( والذين يبتغون الكتاب ممّا ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً ) .
وتقصد عبارة ( علمتم فيهم خيراً ) أي قد بلغوا من النمو الجسمي ووجدتم فيهم صلاحية لإبرام العقد ،وقدرتهم على إنجاز ما تعهدوا به .
أمّا إذا لم يتمكنوا من الوفاء بما عاهدوا عليه ،فلا ينبغي مكاتبتهم وعتقهم ،لأنّ في ذلك ضرراً عليهم وعلى المجتمع ،فيجب تأجيل ذلك إلى وقت آخر يؤهّلهم من حيث القدرة والصلاحية ،ولأجل ألا يقع العبيد في مشاكل لا يتمكنون من حلّها ويعجزون عن تسديد ما بذمتهم ،يدعو القرآن الكريم إلى مساعدتهم فيقول: ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) .
هناك اختلاف حول هذا المال بين المفسّرين: فقال عدد كبير منهم:إنّه حصة من الزكاة ،مثلما نصت عليه الآية ( 60 ) من سورة التوبة .ليتمكن العبيد من الوفاء بدينهم وانعتاقهم .
وقال آخرون: على مالك الغلام أن يتَبرع بقسم من أقساط الدّين ،أو يساعده بإعادته إليه ،ليتمكن من الحياة الحرّة .
كما يحتمل أن المقصود هنا منح العبيد في البداية مبلغاً للإنفاق ،أو جعله رأسمال لهم ليمكنهم من التجارة والعمل وإدارة شؤونهم الخاصّة ،ودفع الأقساط التي بذمّتهم ،وطبيعي أنّ التفاسير الثلاثة هذه غير متناقضة .ويمكن للآية السابقة أن تستوعبها جميعاً .
والهدف الحقيقي هو أن يشمل المسلمون هذه الطبقة المستضعفة بمساعداتهم لتتحرر بأسرع وقت ممكن .
وروي عن الإمام الصادق( عليه السلام ) في تفسير هذه الآية: «تضع عنه من نجومه التي لم تكن تريد أن تنقصه ،ولا تزيد فوق ما في نفسك »{[2772]} .
إشارة إلى مجموعة من الناس كانوا يكاتبون عبيدهم بمبالغ أكبر ممّا يعطونهم ،ويتظاهرون بمساعدتهم .وقد نهى الإمام الصادق( عليه السلام ) عن ذلك مبيّناً أنّه يجب أن يكون التخفيض حقيقيّاً .
وعقّبت هذه الآية بإشارة إلى أحد الأعمال القبيحة التي كان يمارسها عبّاد الدنيا إزاء جواريهم: ( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصناً لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ) .
قال بعض المفسّرين في سبب نزول هذه الآية: كان عبد الله بن أُبي يملك ست جوار يجبرهن على البغاء ،وعندما نزلت آيات قرآنية تنهى عن الفحشاء جئن إلى النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعرضن شكواهن على سيّدهنّ عنده ،فنزلت الآية أعلاه ونهت عن ارتكاب هذا الإثم{[2773]} .
وهذه الآية تكشف عن مدى الرذيلة والانحطاط الخلقي الذي كان سائداً في عهد الجاهلية .وقد واصل البعض أعماله القبيحة هذه حتى بعد ظهور الإسلام ،حتى نزلت الآية السابقة ،وأنهت هذه الأعمال .
ومع بالغ الأسف نجد عصرنا الذي سمي بجاهلية القرن العشرين ،تمارس البشرية هذا العمل بقوة وعلى قدم وساق في بلدان تدّعي المدنية والحضارة والدفاع عن حقوق الإنسان .وكذلك كان الوضع في بلادنا على عهد الطاغوت ،إذ كان هذا العمل القبيح يمارس ببشاعة ومرارة ،وكان البعض يخدع البنات البريئات والنساء الجاهلات ،ويدفع بهنّ إلى مراكز الفساد ،ويجبرهنّ على القيام بأعمال الرذيلة والفساد ،ويغلق أبواب النجاة بوجوههنّ ليجني ثروات طائلة وتفصيل الكلام في ذلك مؤلم وخارج عن عهدة هذا الكتاب .
وبالرغم من أن العالم المعاصر يدّعي التحضّر وإزالة معالم العبودية القديمة ،إلاّ أنّ الجرائم والمفاسد الخُلقية تشيع بشكل أكثر توحّشاً من كلّ ما حدث في غابر الأيّام ،ونسأل الله أن يحفظ الإِنسانية من شرّ هؤلاء الذين يدّعون التمدّن .كما نحمده ونشكره على زوال هذه المعالم من إيران بعيد انتصار الثورة الإسلامية .
وجدير بالذكر أنّ عبارة ( إن أردن تحصناً ) لا تعني في مفهومها أنهنّ إن رغبن في الفساد فلا مانع من إجبارهن ،بل تعني نفي الموضوع بشكل تامّ من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع ،لأنّ مسألة الإكراه تصدق في حالة عدم الرغبة فيه .وإلاّ فبيع الجسد وإشاعة هذا الفعل بأية صورة كانت هو من كبائر الذنوب .
وجاءت هذه العبارة لتثير غيرة مالكي الجواري إن كان لهم أدنى غيرة ،ومفهومها أنّ الجواري مع أنهنّ من الطبقة الدانية ولكن لا يرغبن في ارتكاب الفاحشة .فلماذا ترتكبون هذه الأعمال المنحطة على الرغم من تصوركم أنّكم طبقة راقية ؟
وفي الختامعلى حسب الأُسلوب الذي يتبعه القرآنيفتح طريق التوبة للمذنبين ،ويشجعهم على إصلاح أنفسهم: ( ومن يكرههن فإنّ الله من بعد إكراههنّ غفور رحيم ) .
ويمكن أن تكون هذه الجملةكما قلناإشارة إلى الوضع السائد بين ملاّك الجواري الذين غلب عليهم الندم ،واستعدوا للتوبة وإصلاح أنفسهم .
أو تكون هذه الجملة إشارة إلى النسوة اللواتي يرتكبن هذا العمل القبيح بإكراه من قبل أسيادهنّ .
/خ34