التّفسير:
المرحلة الخطيرة من الحرب:
بعد انتهاء معركة «أُحد » عاد المشركون المنتصرون إلى مكّة بسرعة ،ولكنّهم بدا لهم في أثناء الطريق أن لا يتركوا هذا الانتصار دون أن يكملوه ويجعلوه ساحقاً ،أليس من الأحسن أن يعودوا إلى المدينة ،وينهبوها ويلحقوا بالمسلمين مزيداً من الضربات القاضية وأن يقتلوا محمّداً ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إذا كان لا يزال حيّاً ليتخلصوا من الإسلام والمسلمين ويطمئن بالهم من ناحيتهم بالمرّة .
لهذا صدر قرار بالعودة إلى المدينة ،ولا ريب أنه كان أخطر مراحل معركة «أُحد » بالنظر إلى ما كان قد لحق بالمسلمين من القتل والجراحة والخسائر ،الذي كان قد سلب منهم كلّ طاقة للدخول في معركة جديدة أو لاستئناف القتال ،فيما كان العدو في ذروة القوّة والروحية العسكرية التي كانت تمكن العدو من تحقيق انتصارات جديدة ،وإحراز النتيجة لصالحه ،فنهاية هذه العودة ونتيجتها كانت معروفة سلفاً .
وقد بلغ خبر العودة هذه إلى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ،ولولا شهامته البالغة ،وقدرته المكتسبة من الوحي على الأخذ بزمام المبادرة لانتهى تاريخ الإسلام وحياته عند تلك النقطة .
في هذه المرحلة الحساسة بالذات نزلت الآيات الحاضرة لتقوي روحية المسلمين وتصعد من معنوياتهم ،وفي أعقاب ذلك صدر أمر من النبي إلى المسلمين بالتهيؤ لمقابلة المشركين ،فاستعد جميع المسلمين حتّى المجروحين ( ومنهم الإمام علي ( عليه السلام ) الذي كان يحمل في جسمه أكثر من ستين جراحة ) لمقابلة المشركين ،وخرجوا بأجمعهم من المدينة لذلك .
فبلغ هذا الخبر مسامع زعماء قريش فأرعبتهم هذه المعنوية العالية التي يتمتع بها المسلمون وظنوا أن عناصر جديدة التحقت بالمسلمين وإن هذا يمكن أن يغير نتائج المواجهة الجديدة لصالح المسلمين ،ولذلك فكروا في العدول عن قرارهم بمهاجمة المدينة ،حفاظاً على قواهم ،وهكذا قفلوا راجعين إلى مكة بسرعة ،وانتهت القضية عند هذا الحدّ .
وإليك شرحاً للآيات التي نزلت لتقوّي روحية المسلمين ،وتجبر ما نزل بهم من هزيمة في هذه المعركة .
فقد بدأت هذه الآيات بتذكير المسلمين بما تحقق لهم من نصر ساحق بتأييد الله لهم في «بدر »{[649]} إذ قال سبحانه ( ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة ) وقد كان الهدف من هذا التذكير هو شد عزائم المسلمين وزرع الثقة في نفوسهم والإطمئنان إلى قدراتهم ،والأمل بالمستقبل ،فقد نصرهم الله وهم على درجة كبيرة من الضعف ،وقلة العدد وضآلة العدة ( حيث كان عددهم 313 مع امكانيات بسيطة قليلة ،وكان عدد المشركين يفوق ألف مقاتل مع امكانيات كبيرة ) .
فإذا كان الأمر كذلك فليتقوا الله ،وليجتنبوا مخالفة أوامر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ليكونوا بذلك قد أدوا شكر المواهب الإلهية ( فاتقوا الله لعلكم تشكرون ) .