/م56
المفردات:
الآيات: هي ما اقترحته قريش من جعل الصفا ذهبا .
مبصرة: بينة جعلتهم ذوي بصائر .
فظلموا بها: فكفروا بها وجحدوا .
التفسير:
وقد كانت الخوارق تصاحب الرسالات ؛لتصديق الرسل وتخويف الناس من عاقبة التكذيب وهي الهلاك بالعذاب ،فاقترحت قريش على النبي صلى الله عليه وسلم أن يريهم بعض الآيات والمعجزات فأجابهم الله بقوله:
59-{وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون ...}
أي: أنه تعالى لو أظهر تلك المعجزات القاهرة ثم لم يؤمنوا بها بل بقوا مصرين على كفرهم ؛لاستحقوا عذاب الاستئصال كما هي سنتنا في الأمم السابقة كعاد وثمود ،وقد قضى الله ألا يستأصل كفار هذه الأمة ؛لأن منهم من يؤمن أو يلد من يؤمن .
ولأن الله شاء أن تكون معجزة الإسلام هي القرآن وهو كتاب يرسم منهجا كاملا للحياة ويخاطب الفكر والقلب ويبقى مفتوحا للأجيال المتتابعة تقرؤه وتؤمن به إلى يوم القيامة ،أما الخوارق المادية فهي تخاطب جيلا واحدا من الناس ،وتقتصر على من يشاهدها من هذا الجيل .
والخلاصة: أنه ما منعنا من إرسال الآيات التي سألوها إلا تكذيب الأولين بمثلها ،فإن أرسلناها وكذب هؤلاء بها ؛ عوجلوا ولم يمهلوا .
روى الإمام أحمد{[420]} عن ابن عباس قال: سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا ،وأن ينحى الجبال عنهم فيزرعوا .فقيل له: إن شئت أن نستأني بهم ،لعلنا نجتبي منهم ،وإن شئت أن نؤتيهم الذي سألوا ،فإن كفروا أهلكوا كما أهلك من قبلهم .
قال: بل نستأني بهم فأنزل الله:{وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة ...}
{وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها ولا نرسل بالآيات إلا تخويفا} .
أي: وقد سألت ثمود من قبل قومك: الآيات فآتيناها ما سألت ،وجعلنا لها الناقة حجة واضحة ،دالة على وحدانية من خلقها ،فكفروا بها ،ومنعوها شربها وقتلوها ،فأبادهم الله وانتقم منهم .
وما كانت الآيات إلا إنذارا وتخويفا بحتمية الهلاك بعد مجيء الآيات .
هذه التجارب البشرية ،اقتضت أن تجيء الرسالة الأخيرة غير مصحوبة بالخوارق ؛لأنها رسالة الأجيال المقبلة جميعها ،لا رسالة جيل واحد يراها ،ولأنها رسالة الرشد البشري ،تخاطب مدارك الإنسان جيلا بعد جيل ،وتحترم إدراكه الذي تتميز به بشريته ،والذي من أجله كرمه الله على كثير من خلقه .
أما الخوارق التي وقعت للرسول صلى الله عليه وسلم وأولها: خارقة الإسراء والمعراج ،فلم تتخذ معجزة مصدقة للرسالة إنما جعلت فتنة للناس وابتلاء .