قوله تعالى:{وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذّب بها الأولون ...} [ الإسراء: 59] ،أي وما منعنا أن نرسل رسولا ،بالآيات التي اقترحها أهل مكة على النبي صلى الله عليه وسلم ،كجعل الصفا ذهبا ،وإزالة جبال مكة({[380]} ) ليزرعوا ،إلا تكذيب الأولين بها أي بآيات اقترحوها على رسلهم لما أرسلناها فأهلكناهم ،ولو أرسلناها إلا هؤلاء فكذبوا بها واستحقوا الإهلاك ،وقد حكمنا بإمهالهم ليتم أمر النبي صلى الله عليه وسلم ،ولأنّا لا نعجّل بالعقوبة .
فإن قلتَ: كيف قال{وما منعنا} الخ ،مع أنه تعالى لا يمنعه عن إرادته مانع ؟
قلتُ: المنع هنا مجاز عن الترك ،كأنه قال: وما كان سبب ترك الإرسال بالآيات ،إلا تكذيب الأولين .
قوله تعالى:{وآتينا ثمود الناقة مبصرة ...} [ الإسراء: 59] أي دالة كما يقال: الدليل مرشد وهاد .
فإن قلتَ: ما وجه ارتباط هذا بما قبله ؟
قلتُ: لمّا أخبر({[381]} ) بأن الأولين كذّبوا بالآيات المقترحة ،عيّن منها"ناقة صالح "لأن آثار ديارهم الهالكة ،باقية في بلاد العرب ،قريبة من حدودهم ،يبصرها صادرُهم وواردُهم .
قوله تعالى:{فظلموا بها ...} [ الإسراء: 59] آي بالناقة .
الباء ليست للتعدية ،لأن الظلم يتعدّى بنفسه ،فالمعنى: فظلموا أنفسهم بقتلها أي بسببه .
قوله تعالى:{وما نرسل بالآيات إلا تخويفا} [ الإسراء: 59] .
إن قلتَ: هذا يدل على الإرسال بالآيات ،وقوله قبلُ:{وما منعنا أن نرسل بالآيات} [ الإسراء: 59] يدلّ على عدمه ؟ !
قلتُ: المراد بالآيات هنا: العِبَر ،والدّلالات ،وفيما قبلُ: الآيات المقترحة .