تعنت وعناد
(وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بينا الآيات لقوم يوقنون( 118 ) (
المفردات:
لولا: كلمة لحض الفاعل على الفعل وطلبه منه .
الآية: الحجة والبرهان .
التشابه: التماثل .
اليقين: هو العلم بالدليل والبرهان .
تمهيد:
اختلف المفسرون في المراد من الذين لا يعلمون:
1- فقال ابن عباس هم اليهود ،ويؤيد هذا الرأي أن السياق من أول السورة في الحديث عن اليهود .وأن القرآن قد حكى عنهم سؤالهم لموسى عددا من للآيات على سبيل التعنت والمكابرة .
قال تعالى: يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة . ( النساء:153 ) .
وقال تعالى: وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة . ( البقرة:55 )
2- وقال مجاهد هم النصارى ،وهو اختيار ابن جرير الطبري لأن السياق فيهم ،قال ابن كثير: وفي هذا الكلام نظر ،أي فهو لا يسلم أمام المناقشة ،فليس النصارى وحدهم الذين قالوا تخذ الله ولدا . ( البقرة:116 ) وإنما اليهود أيضا قالوا ذلك ،قال تعالى: وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله .( التوبة:30 ) .
3- وأكثر أهل التفسير على أن المراد من .الذين لا يعلمون: هم مشركو العرب ،ويؤيد هذا القول أن القرآن المكي قد حكى عنهم الكثير من التعنت والعتو وسؤالهم ما لا حاجة لهم به وإنما هو الكفر والمعاندة ،قال تعالى: وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أتي رسل الله ،الله أعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون . ( الأنعام:124 ) .
وقال تعالى: وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا . ( الإسراء:90-93 )
وقال تعالى: وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا ( الفرقان:21 ) .
وقد عبر القرآن عنهم بالذين لا يعلمون استهجانا لذكرهم لقبح ما صدر عنهم ،ولأن ما يحكى عنهم لا يصدر إلا عن الجهلاء .
ولا يبعد أن يكون المراد من الذين لا يعلمون جميع الطوائف المشركة من اليهود والنصارى والعرب ،ويكون الأميون من المشركين هم المقصودون قصدا أوليا ،فكثيرا ما تحدوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يكلمهم الله أو تأتيهم خارقة من الخوارق المادية .
كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم: أي مثل هذه الأسئلة التي يراد بها التعنت قد قالها من قبلهم من الأمم السابقة ،أو من اليهود والنصارى .
إذ قالوا: أرنا الله جهرة . ( النساء:153 )
وقالوا: لن نصبر على طعام واحد .( البقرة:61 ) .
وقالوا: هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء ( المائدة:112 ) .
وقالوا: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ( الأعراف:138 ) .
تشابهت قلوبهم .أي: تشابهت قلوب السابقين مع قلوب اللاحقين في الكفر والإعراض عن الحق والعناد والمكابرة .
والمعنى: أن تشابه أقوالهم نابع من تشابه قلوبهم ،كما قال تعالى: كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به بل هم قوم طاغون .
قد بينا الآيات لقوم يوقنون: أي أننا لم نتركك بلا آية بل بينا للناس الآيات على يديك بما لا يدع مجالا للريب .
قال ابن كثير:
أي قد وضحنا الدلالات على صدق الرسل بما لا يحتاج معها سؤال آخر وزيادة أخرى لمن أيقن وصدق واتبع الرسل وفهم ما جاءوا به من الله تبارك وتعالى ،وأما من ختم الله على قلبه وجعل على بصره غشاوة فأولئك الذين قال الله فيهم: إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون*ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم .( يونس:96 ) .