هيئات المسلمين
{مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون( 17 ) صم بكم عمي فهم لا يرجعون( 18 )}
المفردات:
مثلهم: أي صفتهم وقصتهم العجيبة في الإيمان ثم الإحجام .
استوقد: بمعنى أوقد ،أو سعى حتى أوقد .
أضاءت: ضاءت النار وأضاءت ما حوله ،أي أظهرته بضوئها .
أمثال القرآن:
سلك القرآن إلى النفوس كل مسلك لتأكيد دعوته ،ومن مسالك القرآن إلى الهداية ضرب الأمثال للناس وإبراز المعقول في صور المحسوس ،وعرض الغائب في معرض الحاضر ،وهي ألوان من ضروب القرآن وإعجازه ،ودعوته الهادفة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة .
وقد تنوعت أمثلة القرآن ومنها الأمثلة المصرحة ( 42 ) وهي ما صرح فيها بلفظ المثل أو ما يدل على التشبيه وهي كثيرة في القرآن منها ما يأتي:
قوله تعالى في حق المنافقين:{مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون} .
{أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق…}إلى قوله تعالى:{إن الله على كل شيء قدير} .( البقرة17-20 ) .
ففي هذه الآيات ضرب الله للمنافقين مثلين: مثلا ناريا في قوله:كمثل الذي استوقد نارا .لما في النار من مادة النور ،ومثلا مائيا في قوله: أوكصيب من السماء . ( 43 ) ،لما في الماء من مادة الحياة .
وقد نزل الوحي من السماء متضمنا لاستنارة القلوب وحياتها ،وذكر الله حظ المنافقين في الحالين ،فهم منزل من استوقد نارا للإضاءة والنفع ،حيث انتفعوا ماديا بالدخول في الإسلام ولكن لم يكن له أثر نوري في قلوبهم ،فذهب الله بما في النار من إضاءة: ذهب الله بنورهم .وأبقى ما فيها من الإحراق ،وهذا مثلهم الناري .
وقد ذكر مثلهم المائي ،فشبههم بحال من أصابه مطر ،فيه ظلمة ورعد وبرق ،فخاوت قواه ووضع أصبعيه في أذنيه وغمض عينيه خوفا من صاعقة تصيبه ،لأن القرآن بزواجره وأوامره ونواهيه وخطابه نزل عليهم نزول الصواعق( 44 ) .
التفسير:
هذه الآيات استمرار في وصف المنافقين عن طريق ضرب مثل يجسم المعنى ،ويبرز أمر المنافق الذي ظهر له نور الإسلام فاهتدى إليه ثم تركه ،وظل حائرا مترددا .
لقد اشتروا الضلالة بالهدى ،فلم تربح تجارتهم ولم يهتدوا ،وان مثلهم كمثل الذي أوقد نارا في الظلمة ،فلم تكد تضيء ما حوله حتى استحب العمى على الهدى بعدما استوضح الأمر وتبينه عندئذ: ذهب الله بنورهم ،الذي عرفوه ثم تركوه .