التحدي و الإعجاز
{وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين( 23 ) فان لم تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين( 24 )}
لله عز وجل كتابان: كتاب مفتوح مشاهد ،وهو كتاب الكون يدل على الله بنظامه واتساقه وإحكامه ،وكتاب مقروء وهو القرآن أنزله الله بلسان عربي مبين:{آلر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير} . ( هود1 ) فقد أحكمت آياته وفصلت معانيه ،قال تعالى:{وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا} . ( الأنعام115 ) صدقا في الأخبار وعدلا في الأحكام ليس فيه مجازفة ولا كذب ولا افتراء كما يوجد في أشعار العرب وغيرهم من الأكاذيب وغيرها من المجازفات التي لا يحسن شعرهم إلا بها كما قيل في الشعر: إن أعذبه أكذبه .
وقد اشتمل القرآن على أسمى درجات البلاغة والفصاحة ،ولون في أساليب هدايته ونوع في طريق بيانه ،فإذا تأملت أخباره وجدتها في غاية الصدق والحلاوة ،وكلما تكرر حلا وعلا ،لا يخلق على كثرة الرد ولا يمل منه العلماء ،وإن أخذ في الوعد والتهديد جاء منه ما تقشعر منه الجبال الصم الراسيات فما ظنك بالقلوب الفاهمات ،وإن وعد أتى بما يفتح القلوب والآذان ويشوق إلى دار السلام ومجاورة عرش الرحمان ،وإن جاءت الآيات في الأحكام والأوامر والنواهي اشتملت على الأمر بالمعروف الحسن النافع الطيب المحبوب والنهي عن كل قبيح دنيء .
وإن جاءت الآيات في وصف المعاد وما فيه من الأهوال وفي وصف الجنة والنار وما أعد الله فيهما لأوليائه وأعدائه من النعيم والجحيم والملاذ والعذاب الأليم بشرت به وحذرت وأنذرت ودعت إلى فعل الخير واجتناب المنكرات ،وهدت إلى صراط الله المستقيم وشرعه القويم ،ونفت عن القلوب رجس الشيطان الرجيم( 52 ) .
ولهذا ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من نبي من الأنبياء إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر ،وإنما كان الذي أتيت وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تبعا » ( 53 ) .
لقد جمع القرآن بين السهولة والجزالة ،وخاطب الخاصة بما لا يصعب فهمه على العامة وظل مع ذلك في الذروة العليا من أساليب البيان .
وأتى من أخبار الأمم السابقة بما أيدته الكتب المنزلة ،وفي القرآن مع ذلك أخبار لم ترد في هذه الكتب ،كما انفرد القرآن بإضافات خاصة لبعض قصص الأنبياء ،وقد أنزل على نبي أمي لم يقرأ كتب السابقين ،وتكوّن القرآن من حروف عربية يؤلف العرب منها قصائدهم ونثرهم ،وقد عجزوا عن الإتيان بمثل القرآن وتحداهم الله أن يأتوا بعشر سور من مثله ،وكان ذلك في سورة مكية .
وفي هذه الآيات تحداهم فيما إذا كانوا في ريب من صحة ما أنزله على نبيه وصدق صلته بهالإتيان بسورة من مثله ،والاستعانة على ذلك بمن يريدون من الشركاء والأنصار .