{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ( 25 )} .
سبب النزول:
قال ابن عباس:
نزلت هذه الآية في أبي سفيان بن حرب وأصحابه ؛حين صدوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه عام الحديبية عن المسجد الحرام ،وقد كره عليه الصلاة والسلام أن يقاتلهم ،وكان محرما بعمرة ،ثم صالحوه على أن يعود في العام المقبل .
التفسير:
25 - إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ .
المسجد الحرام: المراد به: مكة ،وعبر بالمسجد الحرام عن مكة ،لأنه المقصود المهم منها .
العاكف: المقيم .
البادي: الطارئ القادم عليها .
الإلحاد: العدول عن الاستقامة .
بظلم: بغير حق بأن ارتكب منهيا عنه .
نذقه من عذاب أليم: يتلقى بعض العذاب المؤلم ،وهو جواب الشرط ل من يرد ،ويفهم خبر إن من قوله: نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ .
تعرض الآية النزاع بين المسلمين والكفار ؛وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد رأى في منامه أنه دخل المسجد الحرام معتمرا ،فأخبر أصحابه بذلك ،وساق الهدى ،فلما اقترب من مكة منعته قريش من دخول مكة معتمرا ،ثم تم الصلح بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل مكة ؛على أن يرجع هذا العام ،ثم يأتي في العام القادم معتمرا ؛كما اتفقا على وضع الحرب بين الفريقين عشر سنين ،ثم فتحت مكة في العام الثامن من الهجرة .
وتصور الآية عنت المشركين فتقول: إن الذين كفروا بالله ورسوله ،ويمنعون الناس عن الدخول في الإسلام ،كما يمنعون المسلمين من أداء العمرة حول المسجد الحرام ،مع أن هذا المسجد منطقة أمان ،والناس جميعا يعظمونه ويحجون إليه ويعتمرون ،سواء أكانوا عاكفين أي: مقيمين من أهل مكة ،أو قادمين من البادية ؛كل هؤلاء يحق لهم أداء المناسك ،وتعظيم هذا البيت .
ومن تعظيم البيت الحرام ،أن الله ضاعف الثواب والأجر للمقيم حول البيت ،كما ضاعف العذاب والعقاب لمن ارتكب إثما حول البيت .أو عزم على ارتكاب الإثم ،وإن لم يقرن ذلك بالتنفيذ .
والأصل في ذلك ما ورد في الحديث الصحيح: ( أن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك: فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ،وإن هم بها فعملها كتبت له عشر حسنات ،ومن هم بسيئة فلم يعملها لم يكتب عليه شيء ،وإن هم بسيئة فعملها كتبت عليه سيئة واحدة )xv .
وهذا في الحياة العامة ،لكن عندما يكون الإنسان في المسجد الحرام ؛يعاقب على الهم أو العزم بعمل سيئة ،وإن لم يقرن ذلك بالتنفيذ ؛فيعاقب على مجرد العزم على الشر بالمسجد الحرام .
من محاسن الإسلام
أقام الإسلام منطقة أمان وسلام بالمسجد الحرام والحرم المحيط به ،هذه المنطقة يحرم فيها القتال والعدوان ،حتى لو وجد الإنسان قاتل أبيه بالمسجد الحرام ؛لا يمد يده إليه بسوء .
قال تعالى: وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ .
أي: جعلناه للناس على العموم ،يصلون فيه ،ويطوفون به ويحترمونه ،ويستوي تحت سقفه من كان مقيما في جواره ،وملازما للتردد عليه ،ومن كان زائر له ،وطارئا عليه من أهل البوادي ،أو من أهل البلاد الأخرى سوى مكة ؛فهذا المسجد الحرام يتساوى فيه عباد الله ،فلا يملكه أحد منهم ،ولا يمتاز فيه أحد منهم ،بل الكل فوق أرضه وتحت سقفه سواء .
وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ .
قال مجاهد: بظلم .يعمل فيه عملا سيئا .
وقال ابن أبي حاتم:
وهذا من خصوصية الحرم أنه يعاقب البادي في الشر إذا كان عازما عليه وإن لم يوقعه ،والفقرة عامة تشمل جميع أنواع المعاصي والظلم .
قال ابن جرير الطبري:
وأولى الأقوال بالصواب: قول من قال: إن المراد بالظلم في هذا الموضع كل معصية لله ،وذلك لأن الله عم بقوله: وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ .ولم يخصص به ظلما دون ظلم ؛في خبر ولا عقل ،فهو على عمومه ،وتأويل الكلام: ومن يرد في المسجد الحرام بأن يميل بظلم فيعصى الله فيه نذقه يوم القيامة من عذاب موجع له .1ه .
والخلاصة:
أن الآية عامة تشمل كل أنواع المعصية ،ويختص الحرم بعقوبة من هم فيه بسيئة وإن لم يعملها ،كما أن الله تعالى جعل الحرم مفتوحا ومنسكا لكل الناس ؛أي: الذين يقع عليهم اسم الناس ،من غير فارق بين حاضر وباد ،ومقيم وطارئ ،ومكي وآفاقي .
من تفسير ابن كثير:
اختلف الفقهاء في أرض مكة: هل تملك وتباع وتوهب وتورث وتؤجر ،أم لا ؟
فذهب أبو حنيفة وإسحاق بن راهويه ؛إلى أنه لا يجوز بيع دور مكة ولا إجارتها ،مستدلين بهذه الآية ،وبما رواه ابن ماجة والدارقطني عن علقمة بن نضلة ؛قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر وعمر ؛وما ترعى رباع مكة إلا السوائب ؛من احتاج سكن ،ومن استغنى أسكن فكأنها محمية آمنة يلجأ إليها أهل الحواضر والبوادي ؛فسيكونون ويأمنون .
قال عبد الله بن عمرو: لا يحل بيع دور مكة ولا كراؤها .
وقال: من أكل من أجر بيوت مكة شيئا فإنما يأكل نارا .
وذهب الشافعي رحمه الله إلى أن رباع مكة تملك وتورث وتؤجر ،واستشهد بأن عمر بن الخطاب ،اشترى من صفوان بن أمية دارا بمكة ؛فجعلها سجنا بأربعة آلاف درهم .
وتوسط الإمام أحمد فقال: دور مكة تملك وتورث ؛ولا تؤجر ؛جمعا بين الأدلة