/م47
ثم حكى سبحانه نوعا آخر من أكاذيب المنافقين بقوله:
53 - وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ ...
جهد أيمانهم: أي: أقصى غايتها ،من قولهم: جهد نفسه ،إذا بلغ أقصى وسعها وطاقتها .
أي: وحلفوا بالله جاهدين أيمانهم بالغين غايتها ،لئن أمرتهم بالخروج للجهاد والغزو ؛ليلبن الطلب وليخرجن كما أمرت .
والخلاصة: أنهم أغلظوا الأيمان وشددوها في أن يكونوا طوع أمرك ورهن إشارتك ،وقالوا: أينما تكن نكن معك ،فإن أقمت أقمنا ،وإن أمرتنا بالجهاد جاهدنا .فرد الله عليهم وزجرهم عن التفوه بهذه الأيمان الفاجرة ،وأمره أن يقول لهم:
قُل لَّا تُقْسِمُوا ...
أي: قل لهم: لا تحلفوا ،فإن العلم بما أنتم عليه لا يحتاج إلى قسم ويمين لوضوح كذبه .ثم علل النهي عن الحلف بقوله:
طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ ...
أي: لا تقسموا لأن طاعتكم معروفة لنا ،فهي طاعة باللسان فحسب ،من غير مواطأة القلب لها ،ولا يجهلها أحد من الناس .
ونحو الآية قوله: يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ .( التوبة: 96 ) .
وقوله: اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ .( المجادلة: 16 ) .
ثم هددهم وتوعدهم على أيمانهم الكاذبة ،وأنه مجازيهم على أعمالهم السيئة ،ولا سيما ذلك النفاق المفضوح ،فقال:
إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ .
أي: أنه تعالى لا تخفى عليه خافية من ظاهر أعمالكم وخافيها ،فيعلم ما تظهرونه من الطاعة المؤكدة بالأيمان الكاذبة ،وما تبطنونه من الكفر والنفاق والعزيمة على مخادعة المؤمنين ،ونحو ذلك من أفانين الشر والفساد التي دبرتموها .