ثم أشير إلى حكاية شيء من أحوال أولئك المنافقين الممتنعين عن قبول حكمه ،وذلك إقسامهم الكاذب ،ليستدل به على إيمانهم الباطن ،بقوله تعالى:
{ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُل لَّا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} .
{ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ} أي بالخروج من ديارهم وأموالهم وأهليهم{ لَيَخْرُجُنَّ} أي مجاهدين .و{ جهد} منصوب على الحالية .أو هو مصدر{ لأقسموا} من معناه .وهو مستعار من ( جهد نفسه ) إذا بلغ وسعها .أي أكدوا الأيمان وشددوها{ قُل لَّا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ} أي لا تقسموا على ذلك وتشددوا لترضونا .فإن الأمر المطلوب منكم طاعة معروفة ،لا تنكرها النفس .إذ لا حرج فيها .فأطيعوا بالمعروف من غير حلف ،كما يطيع المؤمنون .وقيل:معناه طاعتكم طاعة معروفة .أي أنها قول بلا عمل .إذ عرف كذبكم في أيمانكم .كما قال تعالى{[5853]}:{ يحلفون لكم لترضوا عنهم} الآية وقال تعالى{[5854]}:{ اتخذوا أيمانهم جنة} الآية فهم من سجيتهم الكذب حتى فيما يختارونه ،كما قال تعالى:{[5855]}:{ ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون * لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون} وقوله تعالى{ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} أي من الأعمال الظاهرة ،والباطنة ،التي منها الأيمان الكاذبة ،وما تضمرونه من النفاق ومخادعة المؤمنين ،التي لا تخفى على من يعلم السر وأخفى .