/م7
13-{فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون} .
فأرجع الله الوليد إلى أمه يعيش آمنا مطمئنا ،وتعيش أمّه معه في بحبوحة من العيش ،وسعادة وقرة عين بلا حزن ولا خوف ،وقد كان الوقت قليلا بين إلقائه في البحر ،وبين عودته إلى أمه في أمان ويسر وسعادة ،حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مثل المؤمن كأم موسى ترضع ولدها وتأخذ أجرتها )vii .
فالمؤمن يصلّي ويصوم ويطيع الله ،فيحفظه الله في الدنيا ،ويدّخر له الثواب في الآخر ،فله جهتان للمنفعة ،وأم موسى ترضع ابنها فتسعد وتفرح ،وتأخذ أجرة من بيت فرعون زيادة من الله في الفضل والعناية .
{ولنعلم أن وعد الله حق}
حين وعدها الله أن يردّ إليها ولدها ،وأن يجعله رسولا ،ليتأكد لها صدق الوحي والإعلام بذلك .أو ما وعد الله به رسله من النصر ،حين قال:{كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز} [ المجادلة: 21] .
فقد دبّر الله لهذا الوليد سلامته ورعايته وتربيته بإشراف فرعون ،وإحضار أمه مرضعة له ،وقبول آل فرعون أن يربى في بيت أمه ،وما يعلمون أن القدر يدبّر ويسخّر ويمهد لما يشاؤه الله .
{ولكن أكثرهم لا يعلمون}
أي: لا يعرفون حكمة الله في أفعاله وعواقبها المحمودة ،فربما وقع الأمر كريها إلى النفوس وعاقبته محمودة ،كما قال تعالى:{وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} [ البقرة: 216] .
ويشبه أن تكون جملة ولكن أكثرهم لا يعلمون ،تعريضا بما حدث من أم موسى ،حين أصبح قلبها فارغا من كل شيء في الدنيا إلا أمر موسى ،وأوشكت أن تصيح في الناس قائلة: ألقيت بولدي في البحر ،لكن الله ربط على قلبها لتكون من المؤمنين ،ثم رد إليها ولدها لتتيقن بأن وعد الله حق لا ريب فيه ،ولكن كثيرا من الناس يخامرهم الشك في ذلك .
قال القرطبي:
{ولكن أكثرهم لا يعلمون} .يعني: أكثر آل فرعون لا يعلمون .
أي: كانوا في غفلة عن التقدير وسر القضاء .