المفردات:
أجرموا: اكتسبوا جرما ،والجرم: الذنب .
صغار: ذل وهوان .
التفسير:
وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته ...الآية .
هذه الآية استمرار في مناقشة أهل مكة ،ومجابهة للظالمين والمتكبرين منهم عن الاستجابة للهدى .
سبب النزول:
قال مقاتل بن سليمان نزلت في أبي جهل ،وذلك أنه قال: زاحمنا بنو عبد مناف في الشرف ،حتى إذا صرنا كفرسى رهان ،قالوا: منا نبي يوحى إليه ..والله ،لا نؤمن به ،ولا نتبعه أبدا ،إلا أن يأتينا وحي كما يأتيه ؛فأنزل الله سبحانه الآية .
وروي أن الوليد بن المغيرة قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: ولو كانت النبوة حقا لكنت أنا أولى بها منك؛لأني أكبر منك سنا وأكثر مالا ؛فأنزل الله هذه الآية .
والمعنى: وإذا أنزلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم آية تدعوا قريش إلى الإيمان بما جاءهم به ؛امتنعوا عن الإيمان به ؛حسدا واستكبارا .
وقالوا: لن نومن حتى نؤتى من الوحي مثل ما أوتي رسول الله ،وتكون لنا نبوة ،كما لبني عبد مناف نبوة ،وإلا فلن نؤمن بمحمد .
الله أعلم حيث يجعل رسالته .
الله سبحانه وتعالى يحتار لرسالته المعدن السليم ،والقلب النظيف ،الذي لا يحمل الحقد والحسد والكبر .
ثم إن الرسالة منة من الله وفضل ،والله يختص برحمته من يشاء .
قال الألوسي:
وجملة الله أعلم حيث يجعل رسالته استئناف بياني .
والمعنى: إن منصب الرسالة ،ليس مما ينال بما يزعمونه من كثرة المال والولد ،وتعاضد الأسباب والعدد ،وإنما ينال بفضائل نفسانية ،ونفس قدسية ،أفضاها الله تعالى ،بمحض الكرم والجود ،على من كمل استعداده .ا . ه .
لقد اصطاف الله لرسالته الأنبياء والمرسلين ،واختار أولوا العزم من الرسل فجعلهم قدوة وأسوة ؛لأنهم كانوا أكثر تحملا وجهادا وتضحية ،قال تعالى: فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل .( الأحقاف: 35 ) .
وأولوا العزم من الرسل خمسة: إبراهيم ونوح وموسى وعيسى ومحمد عليهم السلام ،وقد أتم الله الرسالات بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ومنحه من المزايا الخلقية والنفسية وغيرها ،وما جعله رحمة لعالمين .
روى الإمام مسلم في كتاب فضاء عن وائلة بن الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
إن الله عز وجل اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل .اصطفى من بني إسماعيل كنانه ،واصطفى من بني كنانة قريشا ،واصطفى من قريش بني هاشم ،واصطفى من بني هاشم محمد - صلى الله عليه وآله وسلم – ( 4 ) .
سيصيب الذين أجرموا صغارا عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون .
قال القرطبي: الصغار: الضيم والذل والهون .
والمعنى: سيصيب أولئك المستكبرين المجرمين ،ذلة وهوان شديد ثابت لهم عند الله في الدنيا والآخرة ،بدل العزة التي طلبوها بالاشتراك في النبوة ،ويصيبهم إلى جانب ذلك عذاب شديد بسبب مكرهم بنبي الهدى ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله .