{قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم ( 145 ) وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون ( 146 ) فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين ( 147 )}
المفردات:
طاعم يطعمه: آكل يأكله ،من ذكر و أنثى .
مسفوحا: أي: سائلا .
رجس: نجس خبيث .والمراد: حرام .
فسقا: خروجا عما أحله الله .
أهل لغير الله به: ذكر اسم غير الله تعالى عليه ،عند ذبحه .
فمن اضطر: فمن حملته الضرورة على تناول شيء من ذلك .
غير باغ: أي: غير ظالم مضطر مثله .
ولا عاد: أي: ولا متجاوز قدر الضرورة .
التفسير:
قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه ....الآية .
نزلت هذه الآية ،ردا على أهل مكة حين حرموا على أنفسهم أنواعا من الحيوانات ،وحرموا على إناثهم أصنافا لم يحرموها على الذكور ،فنزل الوحي جوابا لهؤلاء المشركين ؛ليقول لهم: إن التحريم لا يكون إلا بوحي ،وأنا لا أجد فيما أوحاه الله إلي من الوحي ،تحريم أي نوع من أنواع الحيوانات ؛إلا الأصناف الآتية:
الميتة: وهو الحيوان الذي زهقت روحه بغير ذبح شرعي .
الدم المسفوح: أي: الدم الجاري أما غير المسفوح فهو معفو عنه ،كالدم الذي يبقى في العروق بعد الذبح ،وكذلك الكبد والطحال فإنهما دمان غير سائلين .
لحم الخنزير – ومثل لحم الخنزير شحمه وغضاريفه ؛فإن جميع أجزائه قذر نجس ولو ذبح ؛لتعوده أكل النجاسات أو لأنه خبيث محظور شرعا .
فسقا أهل لغير الله به: أي: ذبح على الأصنام .وإنما سمي فسقا ؛لتوغله في الفسق ،والخروج عن الشريعة الصحيحة ،ومنه قوله تعالى: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق .( الأنعام: 121 ) .
فمن اضطر غير باغ ولا عاد .
والمعنى: فأي شخص أصابته الضرورة ،على تناول شيء من المحرمات السابقة ؛لحفظ الحياة ،بسبب فقده الطعام الحلال ،فإنه رخص له في ذلك .
بشرط ألا يكون باغيا على مضطر آخر مثله ،أو غير طالب له للذته ،وألا يتجاوز – فيما يتناوله – مقدار الضرورة ،التي تحفظ عليه حياته ،حتى يصل إلى مكان يجد به الطعام الحلال .وعاد: اسم فاعل بمعنى متعد ومنه قوله تعالى: بل أنتم قوم عادون .( الشعراء: 166 ) .
فإن ربك غفور رحيم .
أي: فإن الله عظيم المغفرة والرحمة ،لا يؤاخذ المضطر على تناول شيء من ذلك ؛لأنه أباحه له ؛لحفظ حياته .
من كلام المفسرين
قال ابن كثير: الغرض من سياق الآية: الرد على المشركين ،الذين ابتدعوا ما ابتدعوه من تحريم المحرمات على أنفسهم ،بآرائهم الفاسدة ،من البحيرة ،والسائبة والوصيلة والحام ونحو ذلك ،فأمر الله تعالى رسوله أن يخبرهم ،بأنه لا يجد فيما أوحاه الله إليه أن ذلك محرم ،وأن الذي حرمه الله هو الميتة وما ذكر معها ،وما عدا ذلك فلم يحرم ،وإنما هو معفو مسكوت عنه ،فكيف تزعمون أنه حرام ،ومن أين حرمتموه ولم يحرمه الله ،وعلى هذا فلا ينبغي تحريم أشياء أخر فيما بعد هذا ،كما جاء النهي عن أكل الحمر الأهلية ،ولحوم السباع وكل ذي مخلب من الطير .
من تفسير القرطبي
ذكر القرطبي عدة أقوال في تفسير الآية ثم قال:
إن أكثر أهل العلم والفقه والأثر على أن هذه الآية مكية ،وكل محرم حرمه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو جاء في الكتاب ،مضموم إليها ،فهو زيادة حكم من الله تعالى على لسان نبيه .
فقد نزلت سورة المائدة في المدينة ،وزيد فيها بعض المحرمات: كالمنخنقة ،والموقوذة والمتردية .والنطيحة .ا ه .باختصار .
قال الإمام الشافعي: إن الكفار لما حرموا ما أحل الله ،وأحلوا ما حرمه الله ،وكانوا على المضادة والمحادة ،جاءت هذه الآية مناقضة لغرضهم ،فكأنه قال سبحانه: لا حلال إلا ما حرمتموه ،ولا حرام إلا ما حللتموه ،نازل منزلة من يقول لك: لا تأكل اليوم حلاوة ،فتقول: لا آكل اليوم إلا الحلاوة ،والغرض المضادة لا النفي والإثبات على الحقيقة .
فهو سبحانه ،لم يقصد حل ما وراء الميتة ،والدم ،ولحم الخنزير ،وما أهل لغير الله به ؛إذ القصد إثبات التحريم لا إثبات الحل .
قال إمام الحرمين: وهذا في غاية الحسن ،ولولا سبق الشافعي إلى ذلك لما كنا نستجيز مخالفة مالك رضي الله عنه في حصر المحرمات فيما ذكرته الآية ( 10 ) .