/م34
خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلّة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون .
يحشر هؤلاء المشركون في حالة من الذلة والمهانة ،منكسرة أبصارهم ،تغشاهم المهانة والندامة والمذلّة والحسرة ،وقد كانوا يدعون إلى طاعة الله وشرعه في الدنيا ،وهم سالمون أصحاء معافون متمكنون من السجود فلا يستجيبون كبرا وإعراضا وأنفة من الاستجابة للحق ،لذلك عوقبوا بعدم قدرتهم عليه في الآخرة .
روى أنه كلما أراد أحدهم أن يسجد خرّ لقفاه على عكس السجود ،بخلاف ما عليه المؤمن .
أخرج البخاري ،ومسلم وغيرهما ،عن أبي سعيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة ،ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة ،فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقا واحدا )xi .
وقد أورد الحافظ السيوطي في كتابه ( الدر المنثور في التفسير بالمأثور ) طائفة من روايات هذا الحديث في الصحيحين وفي كتب السنن .
وأنكر ذلك سعيد بن جبير ،فقد سئل عن الآية: يوم يكشف عن ساق ...فغضب غضبا شديدا ،وقال: إن أقواما يزعمون أن الله سبحانه يكشف عن ساقه ،وإنما يكشف عن الأمر الشديد ،وعليه يحمل ما في الحديث ،وقد أورد ذلك الآلوسي في تفسيره ،)جزء 29 ،ص 35 ) .
وأرى أن الحديث صحيح ،وارد في الصحيحين وفي كتب السنن ،والسلف يقولون في المتشابه من الآيات والأحاديث: نؤمن بها كما وردت ،ونفوّض المراد منها إلى الله تعالى .
والخلف يقولون: يجب تأويلها على معان تليق بذات الله تعالى .
وكان الإمام الشافعي رضي الله عنه يقول: ( إذا صح الحديث فهو مذهبي ،واضربوا بقولي عرض الحائط ) .
ومن إعجاز القرآن الكريم أن الآية قد يكون لها معنى ،وتشير إلى معنى ،وتستتبع معنى .
والآية الكريمة: يوم يكشف عن ساق ...تحتمل المعنى المجازي ،ويمكن فهمها على المعنى الحقيقي ،ولنا أن نأخذ برأي السلف فنقول: نؤمن بها كما وردت ونفوّض المراد منها إلى الله تعالى ،ولنا أن نأخذ برأي الخلف في أن كشف الساق كناية عن الشّدة والهول ،والله أعلم .
ختام سورة القلم