{والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم ( 100 )}
التفسير:
100{والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ...} الآية .
لما ذكر الله تعالى فضائل قوم من الأعراب ،ينفقون تقربا إلى الله تعالى ،ومن أجل دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم ؛أبان فضائل قوم أعلى منهم منزلة وأعظم ،وهي منازل السابقين الأولين .
فالسابقون الأولون من المهاجرين ،الذين هاجروا قبل صلح الحديبية ،فتقدموا على غيرهم في الهجرة والنصر ،وأفضل هؤلاء: الخلفاء الراشدون الأربعة ،ثم العشرة المبشرون بالجنة ،وأول السابقين من المهاجرين أبو بكر الصديق وزير الرسول وأنيسه في الغار ،وأول الناس في الإيمان والهجرة والجهاد والبذل والنصرة136 .
والسابقون الأولون من الأنصار ،هم أصحاب بيعة العقبة الأولى في منى سنة 11 من البعثة ؛وكانوا سبعة ؛ثم أصحاب بيعة العقبة الثانية ،وكانوا سبعين رجلا وامرأتين ،والذين سارعوا إلى الإيمان عند قدوم مصعب بن عمير ،وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أرسله بعد البيعة الثانية ؛لينشر الدعوة الإسلامية بين أهل المدينة ،وقيل: السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار: هم الذين صلوا إلى القبلتين ،أو من حضر بيعة الرضوان .
{والذين اتبعوهم بإحسان} .
أي: الذين اتبعوا السابقين في الإسلام من المهاجرين والأنصار ،إتباعا حسنا في أقوالهم وأعمالهم وجهادهم ؛ونصرتهم لدعوة الحق .
قال الآلوسي: وكثير من الناس ذهب إلى أن المراد بالسابقين الأولين: جميع المهاجرين والأنصار ،ومعنى كونهم سابقين: أنهم أولون بالنسبة إلى سائر المسلمين .
ويلاحظ أن الإقتداء بالصحابة ،هو الإقتداء بإحسان ،أي: إحسان الأعمال والنيات ،والظواهر والبواطن .
{رضي الله عنهم} .في إيمانهم وإخلاصهم ،فتقبل أعمالهم ورفع درجاتهم ،وتجاوز عن زلاتهم .
{ورضوا عنه} .لقد منحهم الله الرضا والقناعة ،والسرور بمرضاة الله عنهم ،وبرضاهم عن ربهم وحبهم له .
قال الأستاذ عبد الكريم الخطيب:
{ورضوا عنه} .رضوان فوق رضوان من عند الله يحفهم به ،ويزيدهم نعيما إلى نعيم ؛إذ جعل سبحانه رضاهم عنه بما أعطاهم معادلا لرضاه عنهم ،حتى لكأنه سبحانه وتعالى ،يتبادل الرضا معهم ،فيرضى عنهم ويرضون عنه ،فسبحانه ما أعظم لطفه ،وما أوسع فضله !
{وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا} .
أي: وأعد لهم في الآخرة جنات تجري من تحت قصورها أو أشجارها الأنهار ،خالدين فيها خلودا أبديا .قال تعالى:{وما هم منها بمخرجين} .( الحجر:48 ) .
{ذلك الفوز العظيم} .
هذا هو الجزاء الذي لا يعدله جزاء ،وهو الفوز الذي لا فوز يعدله أو يدانيه ؛لقد آمنوا و ثبتوا وتحملوا وقوف الجاهلية في وجههم ؛فاستحقوا رضوان الله في الدنيا ،وجنة خالدة في الآخرة ؛وهذا هو الفوز العظيم .
وقد تكرر في القرآن الكريم الثناء على المهاجرين والأنصار ومن اقتفى أثرهم من التابعين إلى يوم الدين ،ومن أمثلة ذلك الآيات 8 10 من سورة الحشر وتبدأ بقوله تعالى:{للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا ...}