قال السدي:نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي ، جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأظهر الإسلام وفي باطنه خلاف ذلك . وعن ابن عباس:أنها نزلت في نفر من المنافقين تكلموا في خبيب وأصحابه الذين قتلوا بالرجيع وعابوهم ، فأنزل الله في ذم المنافقين ومدح خبيب وأصحابه:( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله )
وقيل:بل ذلك عام في المنافقين كلهم وفي المؤمنين كلهم . وهذا قول قتادة ، ومجاهد ، والربيع بن أنس ، وغير واحد ، وهو الصحيح .
وقال ابن جرير:حدثني يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني الليث بن سعد ، عن خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن القرظي ، عن نوف وهو البكالي ، وكان ممن يقرأ الكتب قال:إني لأجد صفة ناس من هذه الأمة في كتاب الله المنزل:قوم يحتالون على الدنيا بالدين ، ألسنتهم أحلى من العسل ، وقلوبهم أمر من الصبر ، يلبسون للناس مسوك الضأن ، وقلوبهم قلوب الذئاب . يقول الله تعالى:فعلي يجترئون ! وبي يغترون ! حلفت بنفسي لأبعثن عليهم فتنة تترك الحليم فيها حيران . قال القرظي:تدبرتها في القرآن ، فإذا هم المنافقون ، فوجدتها:( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه ) الآية .
وحدثني محمد بن أبي معشر ، أخبرني أبي أبو معشر نجيح قال:سمعت سعيدا المقبري يذاكر محمد بن كعب القرظي ، فقال سعيد:إن في بعض الكتب:إن [ لله] عبادا ألسنتهم أحلى من العسل ، وقلوبهم أمر من الصبر ، لبسوا للناس مسوك الضأن من اللين ، يجترون الدنيا بالدين . قال الله تعالى:علي تجترئون ! وبي تغترون ! . وعزتي لأبعثن عليهم فتنة تترك الحليم منهم حيران . فقال محمد بن كعب:هذا في كتاب الله . فقال سعيد:وأين هو من كتاب الله ؟ قال:قول الله:( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ) الآية . فقال سعيد:قد عرفت فيمن أنزلت هذه الآية . فقال محمد بن كعب:إن الآية تنزل في الرجل ، ثم تكون عامة بعد . وهذا الذي قاله القرظي حسن صحيح .
وأما قوله:( ويشهد الله على ما في قلبه ) فقرأه ابن محيصن:"ويشهد الله "بفتح الياء ، وضم الجلالة ( على ما في قلبه ) ومعناها:أن هذا وإن أظهر لكم الحيل لكن الله يعلم من قلبه القبيح ، كقوله تعالى:( إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ) [ المنافقون:1] .
وقراءة الجمهور بضم الياء ، ونصب الجلالة ( ويشهد الله على ما في قلبه ) ومعناه:أنه يظهر للناس الإسلام ويبارز الله بما في قلبه من الكفر والنفاق ، كقوله تعالى:( يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله ) الآية [ النساء:108] هذا معنى ما رواه ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس .
وقيل:معناه أنه إذا أظهر للناس الإسلام حلف وأشهد الله لهم:أن الذي في قلبه موافق للسانه . وهذا المعنى صحيح ، وقاله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، واختاره ابن جرير ، وعزاه إلى ابن عباس ، وحكاه عن مجاهد ، والله أعلم .
وقوله:( وهو ألد الخصام ) الألد في اللغة:[ هو] الأعوج ، ( وتنذر به قوما لدا ) [ مريم:97] أي:عوجا . وهكذا المنافق في حال خصومته ، يكذب ، ويزور عن الحق ولا يستقيم معه ، بل يفتري ويفجر ، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"آية المنافق ثلاث:إذا حدث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر ".
وقال البخاري:حدثنا قبيصة ، حدثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة ترفعه قال:"أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم ".
قال:وقال عبد الله بن يزيد:حدثنا سفيان ، حدثني ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم ".
وهكذا رواه عبد الرزاق ، عن معمر في قوله:( وهو ألد الخصام ) عن ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم ".