نموذج من الناس
{ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام( 204 ) وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد( 205 ) وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد( 206 ) ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد( 207 )}
المفردات:
يعجبك: من الإعجاب بمعنى الاستحسان .
ألد: شديد الخصومة ،يقال له لده يلده ،شدد خصومته .
الخصام: الجدال .
/م204
التفسير:
{ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا وبشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام}
بينت لنا هذه المجموعة من الآيات الكريمة نوعين من الناس أحدهما خاسر والآخر رابح لكي نتبع طريق الرابحين ونهجر طريق الخاسرين .
تصف الآيات نموذجا من المنافقين يعتمد على ثلاثة أصناف:
1 .حسن القول بحيث يعجب السامع .
2 .وإشهاد اله تعالى على صدقه وحسن قصده .
3 .وقلب الحقائق وإيقاع الفتنة والتخريب والفساد .
والمعنى: ومن الناس فريق يورقك منطقهم ،ويعجبك بيانهم ،ويحسن عندك مقالهم ،فأنت معجب بكلامهم الحلو الظاهر ،المر الباطن ،وأنت في هذه الدنيا لأنك تأخذ الناس بظواهرهم ،وأما في الآخرة فلن يعجبك أمرهم لأنهم ستنكشف حقائقهم أمام الله الذي لا تخفى عليه خافية ،وسيعاقبهم عقابا أليما لإظهارهم القول الجميل وإخفائهم القول القبيح .
هذا النوع من الناس يثير الإعجاب بحسن بيانه ،ويضللهم بحلاوة لسانه ،ويحلف بالأيمان المغلظة انه لا يقول إلا الصدق ،ويجادل عما يقوله بالباطل بقوة وعنف ومغالبة ،فهو بعيد عن طباع المؤمنين الذين إذا قالوا صدقوا وإذا جادلوا اتبعوا أحسن الطرق وأهداها .
{ويشهد الله على ما في قلبه}
أي يحلف بالله على أن ما في قلبه موافق لما يقول ويدعي ،وفي معنى الحلف أن يقول الإنسان: الله يعلم أو يشهد بأنني أحب كذا وأريد كذا ،أو الله يشهد أني صادق فينا أقول .
"وقال العلماء: إن هذا آكد من اليمين ،وعن بعض الفقهاء أم من قاله كاذبا مرتدا لأنه نسب الجهل إلى الله تعالى ،وأقول إن أقل ما يدل عليه هو عدم المبالاة بالدين . "( 136 )
{وهو ألد الخصام}
قال القرطبي:"الألد: الشديد الخصومة والعداوة ولددته بفتح الدال ألده بضمها إذا جادلته فغلبته ،والألد مشتاق من اللديدين وهما صفحتا العنق ،أي: في أي جاني أخذ من الخصومة غلب ،والخصام في الآية مصدر خاصم ،وقيل خصم كصعب وصعاب .
والمعنى أشد المخاصمة خصومة ،وفي صحيح مسلم عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم"( 137 ) .