قوله تعالى : { مَنْ كَانَ يُرِيدُ العَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ } العاجلة الدنيا ، كقوله : { كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة } [ القيامة : 20 و 21 ] أخبر الله تعالى أن من كان همُّهُ مقصوراً على طلب الدنيا دون الآخرة عَجَّل له منها ما يريد ، فعلّق ما يؤتيه منها بمعنيين ، أحدهما قوله : { عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا ما نَشَاءُ } فلذلك استثنى في المُعْطَى ، وذلك يتضمن مقداره وجنسه وإدامته أو قطعه ، ثم أدخل عليه استثناءً آخر فقال : { لِمَنْ نُرِيدُ } فلذلك استثنى في المُعْطَيْن وأنه لا يعطي الجميع ممن يسعى للدنيا بل يعطي من شاء منهم ويحرم من شاء ، فأدخل على إرادة العاجلة في إعطاء المريد منها استثنائين لئلاّ يثق الطالبون للدنيا بأنهم لا محالة سينالون بسعيهم ما يريدون . ثم قال تعالى : { وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً } فلم يَسْتَثْنِ شيئاً بعد وقوع السعي منهم على الوجه المأمور به ، وشَرَطَ في السعي للآخرة أن يكون مؤمناً ومريداً لثوابها . قال محمد بن عجلان : من لم يكن فيه ثلاث خِلالٍ لم يدخل الجنة : نية صحيحة وإيمان صادق وعمل مصيب ، قال : فقلت : عمن هذا ؟ فقال : عن كتاب الله ، قال الله تعالى : { وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ } ، فعلَّقَ سَعْيَ الآخرة في استحقاق الثواب له بأوصاف ولم يَسْتَثْنِ في المقصود شيئاً ولم يخصص إرادة العاجلة بوصف بل أطلقها واستثنى في العطية والمُعْطَى ما قدمنا .