قوله تعالى : { وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ الله } يعني : اللَّهُ أعلم فيما تحاكموا إليك فيه ؛ فقيل : إنهم تحاكموا إليه في حدّ الزانيين ، وقيل : في الدية بين بني قريظة وبني النضير ؛ فأخبر تعالى أنهم لم يتحاكموا إليه تصديقاً منهم بنبوته ، وإنما طلبوا الرخصة ؛ ولذلك قال : { وَمَا أُولَئِكَ بالمُؤْمِنِينَ } يعني هم غير مؤمنين بحكمك أنه مِنْ عند الله مع جَحْدِهم بنبوتك وعدولهم عما يعتقدونه حكماً لله مما في التوراة . ويحتمل أنهم حين طلبوا غير حكم الله ولم يرضوا به فهم كافرون غير مؤمنين .
وقوله تعالى : { وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ الله } يدلّ على أن حكم التوراة فيما اختصموا فيه لم يكن منسوخاً ، وأنه صار بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم شريعةً لنا لم يُنْسَخ ؛ لأنه لو نُسخ لم يُطلق عليه بعد النسخ أنه حكم الله ، كما لا يطلق أن حكم الله تحليل الخمر أو تحريم السبت . وهذا يدلّ على أن شرائع مَنْ قبلنا من الأنبياء لازمةٌ لنا ما لم تُنسخ ، وأنها حكم الله بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم . وقد رُوي عن الحسن في قوله تعالى : { فِيهَا حُكْمُ الله } بالرجم ؛ لأنهم اختصموا إليه في حدّ الزنا . وقال قتادة : فيها حكم الله بالقَوَدِ ، لأنهم اختصموا في ذلك . وجائز أن يكونوا تحاكموا إليه فيهما جميعاً من الرجم والقود .