قوله تعالى : { وآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } . والاعتراف الإقرارُ بالشيء عن معرفة ؛ لأن الإقرار مِنْ قَرَّ الشيء إذا ثبت ، والاعترافُ مِنَ المعرفة ؛ وإنما ذكر الاعتراف بالخطيئة عند التوبة لأن تذكّر قبح الذنب أدْعَى إلى إخلاص التوبة منه وأبْعَدُ من حال من يُدْعَى إلى التوبة ممن لا يدري ما هو ولا يعرف موقعه من الضرر ، فأصحُّ ما يكون من التوبة أن تقع مع الاعتراف بالذنب ؛ ولذلك حكى الله تعالى عن آدم وحواء عند توبتهما : { ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين } [ الأعراف : 23 ] .
وإنما قال : { عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } ليكونوا بين الطمع والإشفاق فيكونوا أبْعَدَ من الاتّكال والإهمال ؛ وقال الحسن : " عسى " من الله واجبٌ . وفي هذه الآية دلالة على أن المذنب لا يجوز له اليأس من التوبة ، وإنما يَعْرُضُ ما دام يعمل مع الشرّ خيرٌ لقوله تعالى : { خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وآخَرَ سَيِّئاً } وأنه متى كان للمذنب رجوع إلى الله في فعل الخير وإن كان مقيماً على الذنب أنه مرجوُّ الصلاح مأمونُ خير العاقبة ؛ وقال الله تعالى : { ولا تيأسوا من رَوْحِ الله إنه لا ييأس من رَوْحِ الله إلا القوم الكافرون } [ يوسف : 87 ] ، فالعبد وإن عظمت ذنوبه فغير جائز له الانصراف عن الخير يائساً من قبول توبته ؛ لأن التوبة مقبولة ما بقي في حال التكليف ، فأما من عظمت ذنوبه وكثرت مظالمه وموبقاته فأعرض عن فعل الخير والرجوع إلى الله تعالى يائساً من قبول توبته فإنه يوشك أن يكون ممن قال الله عز وجل : { كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون } [ المطففين : 14 ] .
مطلب : في محاورة الحسن بن علي رضي الله عنهما مع حبيب بن مسلمة الفهري من أصحاب معاوية .
وروي أن الحسن بن علي قال لحبيب بن مسلمة الفهري وكان من أصحاب معاوية : رُبَّ مسير لك في غير طاعة الله ! فقال : أما مسيري إلى أبيك فلا ؛ فقال الحسن : بلى ، ولكنك اتّبعت معاوية على عَرَضٍ من الدنيا يسير والله لئن قام بك معاوية في دنياك قد قعد بك في دينك ولو كنتَ إذْ فعلتَ شرّاً قلت خيراً كنت ممن قال الله : { خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } ولكنك أنت ممن قال الله : { كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون } [ المطففين : 14 ] .
وهذه الآية نزلت في نفر تخلّفوا عن تَبُوكَ ، قال ابن عباس : كانوا عشرة فيهم أبو لبابة بن عبدالمنذر ، فربط سبعة منهم أنفسهم بسواري المسجد إلى أن نزلت توبتهم .
وقيل : كانوا سبعة فيهم أبو لبابة .