قوله تعالى : { والّلاتي تَخَافُونَ نُشُوزهُنَّ فَعِظُوهُنَّ }{[930]} الآية [ 34 ] :
أمر الله تعالى بمراعاة الترتيب في استيفاء الحق من الممتنع على هذا الوجه ، فإن لم يتأت إلا بالضرب والإيجاع فيجوز ، ولكن الضرب هو القدر الذي يصلحها له ويجعلها على توفية حقه ، وليس له أن يضرب ضرباً يتوقع منه الهلاك ، فإن المقصود الصلاح لا غيره ، فلا جرم إذا أدى إلى الهلاك وجب الضمان ، وكذلك القول في ضرب المؤدب لتعليم غُلامه القرآن والأدب ، ولأجله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لصاحب الحق يد ولسان{[931]} " ، وقال : " مطل الواجد يحل عرضه وعقوبته " .
يعني قوله : " يحل عرضه " أن يقول : يا ظالم يا معتدي ، وعنى بعقوبته : طلب حبسه . . نعم : الصائل على مال الإنسان له دفعه عن ماله ، وإن لم يتأت إلا بالقتل ، لأن المال يخلص له عند ذلك ، وهاهنا إذا نشزت فليس في هلاكها استيفاء الحق بل فيه تفويته ، فإنما رخص في ضرب مصلح وهذا بين .
قوله تعالى : { فإنْ أَطَعْنَكُم فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبيِلاً } : قال أبو عبيدة ، معناه : لا تعللوا عليهن بالذنوب .
قوله تعالى : { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ{[932]} عَلىَ النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ } الآية [ 34 ] :
ورد في الخبر ، أن رجلاً لطم امرأته لنشوزها عنه فجرحها ، فاستعدت عليه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم{[933]} : القصاص ، فأنزل الله تعالى : { ولا تَعْجَل بِالقُرْآنِ مِنْ قَبلِ أَنْ يُقْضَى إليكَ وَحيُهُ{[934]} } ، ثم أنزل : { الرِّجَالُ قوَّامُونَ على النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ } . وقيل : ما كان الضرب على النشوز مشروعاً ثم شرع .
ودلت الآية على أن الزوج يقوم بتدبير المرأة ، وتأديبها ، وإمساكها في بيتها ، ومنعها من البروز ، وأن عليها طاعته وقبول أمره ، ما لم تكن معصية .
وقوله تعالى : { بِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ } : يدل على أن الزوج جعل قوّاماً عليها ، حابساً لها على نفسه ، ومانعاً من البروز لأجل ما أنفق عليها من المال .
نعم بين الله تعالى أمر النفقة في مواضع في كتابه في قوله : { لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ{[935]} } وقول النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن في هذه الآية ذكر علة النفقة ، فلا جرم ، فهم العلماء منهما أنه متى عجز عن نفقتها لم يكن قواماً عليها ، حتى زال الحبس في الدار على المذاهب كلها ، ولها فسخ النكاح على مذهب الشافعي رضي الله عنه ، لأنه إذا خرج عن كونه قواماً عليها ، وحابساً لها ، فقد أخل غرض التحصين بالنكاح ، فإن الغرض من النكاح تحصينها ، وإلا فهن حبائل الشيطان وعرضة الآفات ، فإذا لم يكن قواماً عليها ، كان لها فسخ العقد ، لزوال المقصود الذي شرع لأجله النكاح ، وفيه دلالة ظاهرة من هذا الوجه على ثبوت فسخ النكاح ، عند الإعسار بالنفقة والكسوة .