قوله تعالى : { إنّما جَزَاءُ الّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ } الآية{[1161]} : وذلك مجاز ، إلا أنه ذكر ذلك تشبيهاً بالمحارب حقيقة ، لأنه خرج في صورة المحاربة ، وأريد بهذا التشبيه تعظيم الأمر كما قال : { ذَلِكَ بِأَنّهُم شَاقُّوا الله وَرَسُولَهُ{[1162]} } ومعنى المشاقة أن يصير كل واحد منهما في شق يتأثر به صاحبه ، وقال : { يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ{[1163]} } ومعنى المحادة ، أن يسير كل واحد منهما في حد على وجه المفارقة ، وذلك يستحيل على الله ، إذ ليس في مكان فيشاق أن يحاد .
وتجوز المباينة عليه والمفارقة ، وذلك منه عن وجه المبالغة في إظهار المخالفة ، وكان يجوز أن يسمى كل عاص بهذا الاسم ، ولكن لم يرد ذلك .
ويجوز أن يكون معناه يُحاربون أولياء الله ورسوله وهذا أولى ، فإن الذي يحارب رسول الله صلى الله عليه وسلم كافر ، وقاطع الطريق ليس بكافر ، وكأنه يريد بهذه الإضافة تعظيم المخالفة ، وإكبار قدر المعصية ، وقد ورد في التهديد ألفاظ تشاكل ذلك ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اليسير من الرياء شرك " ، " من عادى أولياء الله فقد بارز الله بالمحاربة{[1164]} " ، وقوله عليه السلام لعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهما السلام : " أنا حرب لمن حاربتم ، سلم لمن سالمتم{[1165]} " .
وإنما حملنا على هذا التأويل ، علمنا بأن الآية وردت في حق قطاع الطريق من المسلمين ، ولذلك قال الله تعالى : { إلاَّ الّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِم{[1166]} } .
قوله تعالى : { ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ في الدُّنيَا وَلَهُمْ في الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ{[1167]} } :
يدل على أن إقامة الحد لا تكون كفارة لذنوبه ، وقد قال في كفارة القتل { تَوْبَةً مِنَ اللهِ{[1168]} } ، وذلك أن الكفارة يأتي بها المكفر على طوع ورغبة ، فتقترن بها التوبة غالباً ، أما الحد ، فإنما يقال عليه قهراً ، دون استسلامه ، فليس يظهر معنى الندم فيه ، فعلى هذا ليست الكفارة في عينها توبة ولا الحد ، وإنما التوبة الندم ، غير أن الكفارة تقترن بها التوبة غالباً ، فسميت توبة بخلاف الحدود .