الْآيَةُ الرَّابِعَةُ : قَوْله تَعَالَى : { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْت إذْ رَمَيْت وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } .
هِيَ من تَوَابِعِ مَا تَقَدَّمَ وَرَوَابِطِهِ ؛ فَإِنَّ السُّورَةَ هِيَ سُورَةُ بَدْرٍ كُلِّهَا ، وَكُلُّهَا مَدَنِيَّةٌ إلَّا سَبْعَ آيَاتٍ فَإِنَّهَا نَزَلَتْ بِمَكَّةَ ، وَهِيَ قَوْلُهُ : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِك الَّذِينَ كَفَرُوا . . . } إلَى آخِرِ الْآيَاتِ السَّبْعِ . وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي مَالِكٌ فِي قَوْلِهِ : ( وَمَا رَمَيْت إذْ رَمَيْت وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى } ، هَذَا فِي حَصْبِ رَسُولِ اللَّهِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ حُنَيْنٍ . قَالَ مَالِكٌ ، وَلَمْ يَبْقَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَحَدٌ إلَّا وَقَدْ أَصَابَهُ ذَلِكَ ، وَذَكَرَ مَا قَالَتْ لَهُ أُمُّ سُلَيْمٍ .
وَكَذَلِكَ رَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَيْضًا ، وَقَدْ رَوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي يَوْمِ بَدْرٍ لَمَّا اسْتَوَتْ الصُّفُوفُ وَنَزَلَ جِبْرِيلُ آخِذًا بِعِنَانِ فَرَسِهِ يَقُودُهُ ، عَلَى ثَنَايَاهُ النَّقْعُ . ( فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَثْيَةً من الْحَصْبَاءِ ، فَاسْتَقْبَلَ بِهَا قُرَيْشًا ، فَقَالَ : شَاهَتْ الْوُجُوهُ . ثُمَّ نَفَخَهُمْ بِهَا وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ : شُدُّوا ) فَكَانَتْ الْهَزِيمَةُ ، وَقَتَلَ اللَّهُ مَنْ قَتَلَ من صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ ، وَأَسَرَ مَنْ أَسَرَ من أَشْرَافِهِمْ .
وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ : كَانَ هَذَا يَوْمَ أُحُدٍ حِينَ رَمَى أُبَيّ بْنُ خَلَفٍ الْحَرْبَةَ ، فَكَسَرَ ضِلْعًا من أَضْلَاعِهِ ، فَرَجَعَ أُبَيّ بْنُ خَلَفٍ إلَى أَصْحَابِهِ ثَقِيلًا ، فَحَفَظُوهُ حِينَ وَلَّوْا قَافِلِينَ يَقُولُونَ : لَا بَأْسَ . فَقَالَ : وَاَللَّهِ لَوْ كَانَتْ بِالنَّاسِ لَقَتَلَتْهُمْ ، أَلَمْ يُقَلْ أَنَا أَقْتُلُكَ .
وَقَوْلُ ابْنِ إِسْحَاقَ أَصَحُّ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ السُّورَةَ بَدْرِيَّةٌ .