23- قوله تعالى : { وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله } |البقرة : 23| .
هذا هو التحدي الذي لا معنى للمعجزة إلا به ، ولا خلاف أنه صلى الله عليه وسلم تحدى العرب بالقرآن لأنه أمر متواتر . وقد قال الله تعالى : { فاتوا بعشر سور مثله مفتريات } |هود : 13| . وقد اختلف في القدر الذي يقع به الإعجاز من القرآن فذهب بعض المعتزلة إلى أنه يتعلق{[46]}بجميع القرآن ، وهذا قول ترده الآيتان المذكورتان . وقال القاضي{[47]} : يتعلق الإعجاز بسورة وألزم ذلك في سورة الكوثر و الإخلاص تشبثا بظاهر قوله تعالى { بسورة من مثله } وقال في موضع آخر من كتبه ، وارتضاه أبو إسحاق . وإنما يتعلق بسورة يعد قدرها في الكلام بحيث يتبين فيه تفاضل رتب قوى البلاغة ، وهو لا يتبين إلا فيما طال بعض الطول ، ولست أقطع في الكوثر وما قاربها بنفي ولا إثبات في إعجازها . وصحح بعض المتأخرين هذا القول . واختلف في الضمير في قوله : { من مثله } على من يعود ؟ فقيل : يعود على القرآن ، وهو المعبر عنه بما في قوله : { مما نزلنا } . واختلف الذين ذهبوا إلى هذا في معنى المماثلة فقيل : معناه مثله في قدمه أو في غيوبه وصدقه ، وهذان القولان راجعان إلى مذهب من يرى أن تحدي النبي صلى الله عليه و سلم إنما وقع بالكلام القديم الذي هو صفة للذات وأن العرب كلفت من ذلك بما لا يطاق{[48]} . وقيل : معناه مثله في وصفه ونظمه وفصاحته . وهذا القول راجع إلى مذهب من يرى التحدي إنما وقع باللفظ . والذين ذهبوا إلى هذا اختلفوا في المعجز منه ما هو ؟ لأن ألفاظه احتوت على وصف محكم ونظم وفصاحة ، فمنهم من علق الإعجاز بالمعاني الثلاثة ، ومنهم من علقه بالوصف ، ومنهم من علقه بالنظم ، ومنهم من علقه بالفصاحة . ويحتمل أن تتأول الآية على كل واحد من هذه الأقوال . وتعلق الإعجاز بالمعاني الثلاثة هو الذي عليه اختاره المتأخرون من أهل السنة{[49]} . قال بعضهم : وهو الذي عليه الجمهور و الحذاق وهو الصحيح في نفسه ولم يكن من قدرة العرب أن تحيط بمثل ذلك فتأتي به خلافا لمن قال : إن العرب في قدرتها أن تأتي بمثله ، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم صرفوا عن ذلك وعجزوا عنه{[50]} ، وهو قول باطل يرده الاعتبار بما جبل الناس من الذهول والجهل والنسيان ، فكيف كان يصح منهم أن يأتوا بمثله مما ذكر حتى لا يقع منهم فيه خطأ في تلك الوجوه . وقيل الضمير في قوله { من مثله } عائد على { عبدنا } وهو محمد صلى الله عليه وسلم{[51]} . ثم اختلفوا فقالت طائفة : أي أمي صادق مثله .
وقالت طائفة : من ساحر أو كاهن أو شاعر مثله على زعمكم أيها المشركون .
وقيل : المراد بمثله الكتب القديمة : التوراة والإنجيل والزبور .