31 – قوله تعالى : { وعلم آدم الأسماء كلها } الآية |البقرة : 31| .
احتج قوم بهذه الآية على أن اللغة كلها توقيف من الله تعالى ، وردوا بذلك على من قال : إنها كلها اصطلاح من أصحاب اللغة وعلى من قال أولها توقيف أي قدر ما يقع به التفاهم ، ثم ما بعد ذلك اصطلاح وهذه الأقوال الثلاثة كلها جائزة عقلا ، وليس على واحد منها دليل قاطع في الشرع . والآية التي احتجوا بها محتملة ، فلا حجة فيها . والذين ذهبوا إلى أنها توقيف من الله تعالى ، واحتجوا بالآية منهم من قال : إن تعليم آدم إياها المذكور في الآية إنما هو إلهام علم ضرورة وقال قوم : بل تعليم بقول ، فإما بواسطة ملك أو بتكلم قبل هبوطه الأرض فلا يشارك موسى صلى الله عليه وسلم في خاصته ، ووجه احتمالات هذه الآية التي ترفع الحجة بها أن الأسماء قد قال قوم إنه أراد بها التسميات ، وهو قول المحتجين بها . وقال قوم : أراد الأشخاص أنه عرضها عليه . وقال أكثر العلماء : علمه تعالى منافع كل شيء ، ولما يصلح{[83]} .
واختلف أهل القول الأول أي الأسماء علمه ؟ فقال قوم علمه جميع الأسماء بكل لغة وغلط في هذا قوم حتى قال ابن جني{[84]} عن أبي علي الفارسي : علم الله آدم كل شيء حتى أنه كان يحسن من النحو مثل ما أحسن سيبويه .
واختلفوا هل عرض عليه الأشخاص عند التعليم أم لا ؟ وقال قوم : لم يعلمه جميع الأسماء وإنما علمه أسماء مخصوصة . واختلفوا في تعيينها . فقال قوم : أسماء النجوم . وقال قوم : أسماء الملائكة . وقال قوم : أسماء ذريته فقط ، وقال الطبري{[85]} : علمه أسماء ذريته والملائكة . واختار هذا ورجحه لقوله { ثم عرضهم على الملائكة } |البقرة : 31|{[86]} وحكى النقاش{[87]} ، عن ابن عباس : أن الله تعالى كلمه كلمة واحدة عرف منها جميع الأسماء .
وقال قوم : علمه أسماء الأجناس .
وقال ابن قتيبة : علمه أسماء ما خلق في الأرض . وقال قوم : علمه الأسماء بلغة واحدة .
وقوله : { ثم عرضهم على الملائكة } |البقرة : 31| يقوي قول من يقول إنما أراد بالأسماء الأشخاص ، ويأتي على هذا أنها التي عرض على الملائكة . ومن الناس من قال : إن لفظ الأسماء يدل على أشخاص ، فلذلك ساغ أن يقول الأسماء ، ثم عرضهم ، وقد قرئ " ثم عرضها " {[88]} وقرئ " ثم عرضهن " {[89]} وهذا يوافق القول بأنها التسميات ويأتي عليه القول بأن الذي عرض على الملائكة الأسماء دون الأشخاص .
وقوله تعالى : { أنبئوني بأسماء هؤلاء } |البقرة : 31| يؤكد أن الذي عرض على الملائكة الأشخاص ، وقد استدل قوم بهذا على جواز تكليف ما لا يطاق ، قالوا لأنه تعالى علم أنهم لا يعلمون ، ثم أمرهم أن ينبؤوه{[90]} بها . وقال آخرون : لا دليل فيه لأنه ليس على جهة التكليف ، وإنما هو على جهة التقرير و التوقيف . وهذا القول غير بين ، والذي يظهر لي فيه أنه أمر تعجيز لأنه تعالى أراد أن يريهم عجزهم عن معرفة الغيب . وقد استدل قوم أيضا بهذه الآية على أن الاسم هو المسمى . ذهب إلى ذلك المهدوي{[91]} ، ومكي{[92]} وغيرهما . وليس فيها دليل لما قدمته من الاحتمالات التي في الآية .
/م31