قوله تعالى : { وأقم الصلاة لذكري } :
اختلف في اللام التي في : { لذكري } . فقيل هي لام سبب ، واللفظ على هذا يحتمل تأويلين : أحدهما : أن يريد لتذكرني فيها {[9713]} فيكون المصدر على هذا مضافا إلى المفعول ، ويحتمل أن يريد لأذكرك في عليين بها فيكون المصدر على هذا مضافا إلى {[9714]} الفاعل . وقيل اللام بمنزلة {[9715]} عند . كأنه قال أقم الصلاة عند تذكرها ، ورجح هذا بعض المتأخرين ورأى احتجاج النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الوادي عاضدا لذلك وهو قول ينبئ عن ظاهره اللفظ . وقرأ قوم للذكرى وقوم لذكري {[9716]} وقوم للذكر . وقد اختلف هل تقضى الفرائض في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها أم لا ؟ فعند مالك رحمه الله تعالى أنه يصليها متى ذكرها خلافا لأبي حنيفة . وحجة مالك قوله تعالى : { وأقم الصلاة لذكري } وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن الله تعالى يقول : { وأقم الصلاة لذكري } " {[9717]} . قال أبو الحسن : ومن السلف من قال لا تقضى الفائتة إلا في مثل وقتها فإذا فاتت الصبح لأحد صلاها من الغد . فهذا قول بعيد من مقتضى الآية {[9718]} واختلف أيضا فيمن صلى صلاة ثم ذكر بعد ذلك صلاة من يوم آخر فصلاها هل يعيد الصلاة الحاضرة التي صلى إذا بقي من وقتها شيء أم لا ؟ فقال الشافعي وغيره ليس ذلك عليه . وقال مالك وغيره ذلك عليه واستدل أهل المقالة الأولى بقوله صلى الله عليه وسلم : " من نسي صلاة فليصل متى ذكر " ولم يقل ليعد ما كان في وقته . والحجة لقول مالك قوله تعالى : { وأقم الصلاة لذكري } ودل هذا أن وقت الذكر وقت الصلاة المنسية . وإذا اجتمعت صلاتان في وقت واحد فالواجب تقديم الأولى . واستدل مالك بآخر الحديث ، واستدل الشافعي بأوله . واختلف فيمن فاتته صلاة الصبح هل يصلي قبلها ركعتي الفجر أم لا ؟ فروى ابن وهب عن مالك أنه لا يركع حتى يصلي الفريضة . وقال أشهب وعلي بن زياد يركع ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي . وحجة القول الأول قوله تعالى : { وأقم الصلاة لذكري } ، وقوله عليه الصلاة والسلام : " من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها " {[9719]} فهذا ينفي فعل صلاة قبلها . واختلف أيضا هل للصلاة الفائتة أذان أو إقامة على ثلاثة أقوال . فقال مالك والشافعي وغيرهما يقام لها ولا يؤذن . وقال ابن حنبل وأبو حنيفة يؤذن ويقام . وقال سفيان لا يؤذن لها ولا يقام . ومن حجة من لا يرى الإقامة قوله تعالى : { وأقم الصلاة لذكري } لأن ظاهره الإقامة المعلومة {[9720]} وقد اختلف فيما جاء في حديث الوادي من أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يقتادوا رواحلهم منه وقد فاته وقت الصلاة مع وجوب المبادرة إلى الصلاة الفائتة بإثر الاستيقاظ هل هو منسوخ بهذه الآية أم لا ؟ قال ابن دينار وابن وهب هو منسوخ . قال عيسى : نسخه قوله تعالى : { وأقم الصلاة لذكري } وقوله عليه الصلاة والسلام : " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها " . وقال قوم ليس بمنسوخ . واختلفوا في وجه الحديث ، فقال بعضهم {[9721]} إنما أمرهم بذلك لأن لا يبقى من أصحابه نائم . وقال بعضهم قد علل صلى الله عليه وسلم الوجه في ذلك بما جاء من حديث زيد بن أسلم أن هذا واد به شيطان . وذهب أبو حنيفة إلى تأخير رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة وأمر بالاقتياد إنما كان لأنه انتبه في حين طلوع الشمس ولا يجوز قضاء الفوائت في ذلك الوقت فلذلك أمرهم بالاقتياد إلى أن ترتفع الشمس عن الأفق . وهذا الذي ذكره غير صحيح . وفي هذا الحديث ما يرده لأن في حديث عمران بن حصين {[9722]} : فما استيقظنا حتى أيقظنا حر الشمس . ولا يكون ذلك إلا بعد تمكن ارتفاعها .