– قوله تعالى : { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله } :
اختلف في سبب الآية فقيل إنما نزلت في وقت حفر رسول الله صلى الله عليه وسلم خندق المدينة وذلك أن بعض المؤمنين كان يستأذن لضرورة وكان المنافقون يذهبون دون استئذان . فأخرج الله تعالى الذين لا يستأذنون عن صنيفة المؤمنين وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يأذن للمؤمن الذي لا تدعوه ضرورة إلى حبسه وهو الذي يشاء {[10197]} وقيل نزلت في عمر بن الخطاب وكان استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة فأذن له وقال له : " يا أبا حفص لا تنسنا من صالح دعائك " {[10198]} والأمر الجامع يريد به ما للإمام حاجة إلى جمع الناس فيه لمصلحة . وروي عن مجاهد أن المراد به الجمعة والغزو . وقال الحسن الجمعة والأعياد وكل ما فيه خطبة . ولا شك أن المراد بقوله وإذا كانوا معه : أي مع الرسول . قال الحسن : ولا فرق بين الرسول ومن سواه من الأئمة فيما يلزم من استئذانهم لما في ذلك من أدب الدين وأدب النفس{[10199]} واختلف في الإمام الذي يستأذن من هو ؟ فقيل هو إمام الإمرة خاصة ، وهو ظاهر الآية . وقيل هو إمام الصلاة أيضا إذا قدمه إمام الإمرة {[10200]} . وهو قول مكحول والزهري {[10201]} ولا خلاف في الغزو أنه يستأذن إمامه إذا كان له عذر يدعوه إلى الانصراف . واختلف في صلاة الجمعة إذا كان له عذر كالرعاف ونحوه هل يلزمه الاستئذان أم لا ؟ فذهب جماعة إلى أنه يلزمه الاستئذان للوالي إمام إمرة كان أو إمام صلاة . واحتجوا بالآية . وأنكر إسماعيل القاضي أن تكون الآية في ذلك المعنى . وقيل لا يلزمه إلا إن كان إمام إمرة . وقيل لا يلزمه الاستئذان وهو مذهب مالك . وقد مشى بعض الناس دهرا على استئذان إمام الصلاة . وروي أن هرم بن حيان {[10202]} كان يخطب فقام رجل فوضع يده على أنفه وأشار إلى هرم بالاستئذان فأذن له فلما قضيت الصلاة كشف من أمره أنه ذهب لغير ضرورة فقال هرم : اللهم أخر رجال السوء لزمان السوء {[10203]} .
واختلف في قوله تعالى : { فأذن لمن شئت منهم } هل هو محكم أو منسوخ ؟ فالمشهور أنه محكم . وقال قتادة هو منسوخ بقوله تعالى : { عفا الله عنك لم أذنت . . . . لهم } {[10204]} الآية [ التوبة : 43 ] .