– قوله تعالى : { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن } :
هذه الآية مخصصة لعموم آية البقرة في الاعتداد بالحيض . وقد تقدم الكلام على هذا .
قوله تعالى : { إن ارتبتم } :
اختلف فيه . فقيل هو متصل بأول السورة ، والمعنى لا تخرجوهن من بيوتهن إن ارتبتم في انقضاء العدة . وقيل هو من هذه الآية التي وقع فيها . واختلف في تأويله ، فروى أشهب عن مالك أنها ريبة ماضية في الحكم لا في معاودة الحيض وذلك أن الله تعالى لما بين عدة ذوات الإقراء وذوات الحمل وبقيت اليائسة من المحيض والتي لم تحض ارتاب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في حكمها ، فنزلت الآية . وإلى هذا ذهب مجاهد واختاره الطبري {[10786]} . فاليائسة على هذا القول في الآية هي التي لا ترتاب في معاودة الحيض وهي مخصصة من عموم آية البقرة . وأما التي ارتفع عنها الحيض وهي في سن من تحيض فليست بداخلة في الآية . قال ابن بكير وإسماعيل القاضي إنه يلزم على هذا القول في الآية أن تعتد هذه المرتابة {[10787]} في معاودة الحيض بالإقراء وتنتظر القرء حتى تبلغ سن من لا يشبه أن تحيض وإن بقيت عشرين عاما . وإلى هذا ذهب الشافعي وأبو حنيفة ، قالا : فإذا يئست من المحيض اعتدت ثلاثة أشهر ما لم تيأس من الحيض {[10788]} وإليه ذهب أيضا النخعي والثوري وغيرهما ، وحكاه أبو عبيد عن أهل العراق . وهذا غير لازم لأنه وإن كانت هذه المرتابة لم تتخصص بهذه الآية من آية البقرة فتخصص بالقياس والنظر ، وهو الذي ذهب إليه عمر بن الخطاب ولا مخالف له من الصحابة أنها تنتظر تسعة أشهر ، فإن كان بها حمل وإلا اعتدت بعد التسعة ثلاثة ثم تحل . وقاله الشافعي بالعراق وهو قول مالك رحمه الله تعالى ، على أنه يقول إن الريبة في الآية إنما هي في الحكم {[10789]} . وذهب ابن بكير وإسماعيل القاضي وغيرهما إلى أن المعنى في قوله تعالى : { إن ارتبتم } أي ارتبتم في معاودة الحيض وأنها ريبة مستقبلة ، واحتج لذلك بحجج يطول جلبها . من ذلك أن اليأس في كلام العرب إنما هو مما لم ينقطع منه الرجاء . لا ترى أنك تقول : يئست من المريض لشدة مرضه ومن الغائب لطول{[10790]} غيبته ، ولا يصلح أن تقول : يئست من الميت الذي انقطع الرجاء منه . قالا ولو كانت الريبة في الحكم لكان حق اللفظ أن يكون إن ارتبتم بفتح الهمزة لأنها ريبة ماضية . ودليل خطاب هذا القول إنه لا تجب عدة على من يعلم أنها ممن لا تحيض من صغر أو كبر ولا يرتاب في أمرها ، وإلى هذا ذهب ابن لبابة وقال إنه مذهب داود وأنه القياس لأن العدة إنما هي لحفظ الأنساب ، فإذا أمن الحمل فلا معنى للعدة . وهو شذوذ من القول ، وهذا ليس بلازم لإسماعيل القاضي وابن بكير لأن دليل الخطاب ضعيف في الاستدلال ، وقد اختلف فيه الأصوليون ، ولما لم يكن عندهما بد من عدة الأدلة القوية ، فمن لا تحيض من صغر أو كبر في ذلك ولم يجدا في ذلك حدا جعلا الباب واحدا فيهما فحملهما محمل المرتابة في العدة بثلاثة أشهر . والذين ذهبوا إلى أن الآية في المرتابة اختلفوا ، فبعضهم يرى أنه ليس عليها أكثر من ثلاثة أشهر تعلقا بظاهر الآية . وإلى نحو هذا ذهب عكرمة وابن زيد وقتادة . والأكثر على {[10791]} أن الثلاثة الأشهر إنما هي التي بعد التسعة الأشهر على حديث عمر بن الخطاب إن يئست من الحمل فيهن ، وهو تأويل عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في الآية على ما ذكر المفسرون . وتحصيل هذا أنه يأتي في تأويل قوله تعالى : { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم } قولان : أحدهما : أنهن اليائسات من معاودة الحيض . والآخر : أنهن المرتابات في معاودة الحيض . وإذا قلنا إنهن اليائسات من معادة الحيض ففي عدة المرتابة ثلاثة أقوال : أحدها : أنها ثلاثة أشهر خاصة حملا لها على اليائسة .
والثاني : أنها ثلاثة أشهر بعد تسعة أشهر يستبدأ بها أمر الحمل .
والثالث : أن عدتها بالإقراء وإن طالت ثلاثين سنة ، لأنها عند من قال بذلك باقية تحت عموم آية البقرة . وإذا قلنا إن اللائي يئسن من المرتابات ففي عدة اليائسة قولان :
أحدهما : أنها ثلاثة أشهر حملا لها على المرتابة المذكورة في الآية .
والثاني : أنها لا عدة عليها تعلقا بدليل خطاب الآية . واختلف في المستحاضة هل تعتد بثلاثة أشهر خاصة أو ثلاثة أشهر بعد تسعة فتكون/ عدتها سنة ، وهو مذهب مالك رحمه الله تعالى : وعلل ذلك كثير من المفسرين بأن الاستحاضة ريبة فلحقت بمعنى قوله : { إن ارتبتم } الآية .
قوله تعالى : { واللائي لم يحضن } :
معناه واللائي لم يحضن عدتهن أيضا ثلاثة أشهر .
– قوله تعالى : { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن . . . } إلى قوله تعالى : { فإن أرضعن لكم . . . . } الآية :
حكم هذه الآية عند الجمهور عام للمطلقة الحامل والمتوفى عنها الحامل فتكون عدتها بوضع الحمل . وحديث سبيعة الأسلمية {[10792]} شاهد لذلك . وهو أنها كانت تحت سعد بن خولة {[10793]} فتوفي في حجة الوداع وهي حبلى ، فلما وضعت خطبها أبو السنابل بعكك {[10794]} فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها : " أنكحي من شئت " {[10795]} وعلى هذا القول علماء الحجاز والعراق والشام . ولا أعلم مخالفا فيه من السلف إلا ابن عباس وعلي بن أبي طالب في ذلك أنهما قالا : عدة المتوفى عنها زوجها آخر الأجلين . قال ابن مسعود لما بلغه قول علي : من شاء لاعنته . إن هذه الآية في سورة النساء القصرى : { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } نزلت بعد التي في البقرة { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } [ البقرة : 234 ] . ولولا حديث سبيعة الأسلمية لكان هذا القول أظهر ولو بلغت السنة عليا ما تركها . وأما ابن عباس فروي عنه أنه رجع إلى حديث سبيعة بعد منازعته ، فقد مر في سورة البقرة وجه معارضته هذه الآية بآية الطلاق وآية الوفاة الكائنتين في سورة البقرة ، فمن أراد الوقوف على ذلك تأمله هناك {[10796]} .