قوله تعالى : { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } :
تحتمل هذه الآية أن يكون معنى التوكل فيها مقرونا مع السعي والابتغاء لا أنه تعالى يريد توكلا دون سعي . ويحتمل أن يريد توكلا خالصا دون سعي من الإنسان مع ذلك . وقد اختلف العلماء في التوكل في الرزق دون السعي فيه فلم يره أكثر العلماء لأنه وإن كانت الآية عندهم محتملة بالقول الآخر {[9081]} فيما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك قد أذهب ذلك الاحتمال وخلص الاحتمال الآخر لأنه صلى الله عليه وسلم سعى طول عمره في إظهار أمر الله تعالى . وظاهر يوم أحد بين درعين فهذا منه صلى الله عليه وسلم توكل مع سعي وهذا إن لم يكن في الرزق فقد جاء في الرزق قوله تعالى : { وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا ( 25 ) } [ مريم : 25 ] وقال عليه الصلاة والسلام في الطير : " تغدو خماصا وتروح بطانا " {[9082]} . وقال له رجل أرسل ناقتي وأتوكل قال : { بل أعلقها وتوكل } {[9083]} فرأوا لمن يمكنه التحرك في الحلال أن يتحرف ولو أن يحتطب ونحو ذلك . وذهب بعض الناس إلى أن الرجل الجلد إذا بلغ من التوكل إلى أن يدخل دارا أو بيتا تجهل فيه حاله ويبقى في ذكر الله تعالى متوكلا على الله يقول : إن كان لي رزق فسيأتي الله به ، وإن كان رزقي قد تم مت ، أن ذلك حسن بالغ أعلى الدرجات . ولهذا اختلف في المسألة فأجازها قوم لمن لا يجدها بغيته ، وحظرها آخرون إلا لمن اضطر إليها كالميتة وحظرها آخرون جملة ومن حجتهم قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تسأل الناس شيئا " . وأن هذا هو التوكل للحظر ، وقد أمر الله تعالى بالتوكل فليكن على وجهه ، ومن سأل فلم يتوكل . واختلف الذين رأوا له السعي والتطلب إن اضطر إلى أكل المحرمات كالميتة وسؤال الناس وما أمكنه من ذلك أيهم أفضل صبره عن ذلك وإن مات ، أو أخذه منها لإبقاء رمقه ، على قولين . وهذا بعد اتفاقهم على أن كل ذلك مباح له . وتأول الآية من يرى الصبر أفضل على أن معنى التوكل فيها هو التوكل مع السعي فيما عدا المحظورات . فأما مع أكل المحظورات فليس ثم توكل . وقول من زعم أن أخذه من ذلك أفضل مبني على القول بأنه واجب على الإنسان إحياء نفسه {[9084]} .