قوله تعالى : { استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم } :
قوله : { استغفر لهم } يحتمل أن يكون بمعنى الشرط إن تستغفر لهم أو لا تستغفر لهم فلن يغفر الله لهم ، كقول الشاعر {[9229]} :
أسيئي بنا أم أحسني لا ملومة *** لدينا ولا مقلية إن تقلت
فلا تكون ( أو ) على هذا للتخيير ويكون معنى الكلام المنع من الاستغفار وإلى هذا ذهب الطبري ويحتمل أن يكون ذلك على التخيير لرسول الله صلى الله عليه وسلم . ويعضد هذا قوله صلى الله عليه وسلم لعمر وقد سمعه عمر يستغفر لهم بعد نزول الآية فقال : أتستغفر للمنافقين وقد أعلمك الله تعالى أنه لا يغفر لهم فقال له : يا عمر إن الله خيرني فاخترت ولو علمت إني إذا زدت على السبعين يغفر لهم لزدت . فإذا كان على جهة الشرط فلا يكون منسوخا وإذا كان على التخيير ففيه إباحة الاستغفار للمنافقين . وهذا منسوخ لأنه لا يجوز أن يستغفر لهم . واختلفوا في الناسخ ما هو ؟ فقيل قوله تعالى : { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا } {[9230]} [ براءة : 84 ] .
وقوله تعالى : { إن تستغفر لهم سبعين مرة } يحتمل أن يكون جعل السبعين غاية الكثرة فضرب به المثل . والمعنى إن استغفرت لهم أبدا فلن يغفر الله لهم . فيكون في أول الآية إباحة الاستغفار إن لم يكن جاء على الشرط ويكون في آخرها قد أعلمه أن لا يغفر لهم وإن استغفر . ويحتمل أن يكون جعل السبعين حدا للمرات التي إذا استغفرها لهم لم تغفر ويبقى ما زاد على السبعين محتملا أن يغفر به ومحتملا أن لا يغفر به إلا أن دلالته إنما هي دلالة خطاب . وقد اختلف العلماء في القول به ، ولمالك ما يدل على القولين . وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لو أعلم أني لو زدت على السبعين غفر لهم لزدت " دليلا على أنه لم يقل بدليل الخطاب لأنه لو قال بدليل الخطاب لكان عنده أن الزيادة على السبعين يغفرها . فإذا لم يقل بدليل خطاب الآية كان – أي الزيادة في الاستغفار على السبعين – يغفر له . وهذا أيضا إذا قيل به منسوخ . وروى جرير عن الضحاك عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل عليه : { إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم } قال : " لأزيدن على السبعين " . وهذا خلاف ما تقدم عنه وهو من النبي صلى الله عليه وسلم قول بدليل الخطاب فنسخه الله تعالى بقوله : { سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم } [ المنافقون : 6 ] . وكثير من العلماء لا يرى في هذه الآية نسخا فيحملون أولها على الشرط ولا يقولون في آخرها {[9231]} بدليل الخطاب {[9232]} .