الآية الثّانية تصف الله الذي نزل الفرقان بأربع صفات ،صفة منها هي الأساس ،والبقية نتائج وفروع لها ،فتقول أوّلا: ( الذي له ملك السموات والأرض ){[2817]} .
نعم ،إنّه الحاكم على كل عالم الوجود ،وكل السماوات والأرض ،فلا شيء خارج عن سلطة حكومته ،وبالالتفات إلى تقدم «له » على «ملك السموات » الذي هو دليل الحصر في اللغة العربية يستفاد أن الحكومة الواقعية والحاكمية المطلقة في السماوات والأرض منحصرة به تبارك وتعالى ،ذلك لأن حكومته عامّة وخالدة وواقعية ،بخلاف حاكمية غيره التي هي جزئية ومتزلزلة .وفي نفس الوقت فهي مرتبطة به سبحانه .
ثمّ يتناول تفنيد عقائد المشركين واحدة بعد الأُخرى ،فيقول تعالى: ( ولم يتخذ ولداً ){[2818]} .
و كما قلنا من قبل فإن الحاجة إلى الولد من حيث الأصل إمّا لأجل الاستفادة من طاقته البشرية في الأعمال ،أو لأجل الاستعانة به حال الضعف والعجز والشيخوخة ،أو لأجل الاستئناس به في حال الوحدة ،ومن المعلوم أن ذاته المقدسة عز وجل منزّهة عن أي واحد من تلك الاحتياجات .
وبهذا الترتيب ،يدحض اعتقاد النصارى بأنّ «المسيح »( عليه السلام ) ابن الله ،أو ما يعتقده اليهود أنّ «العزير » ابن الله ،وكذلك يدحض اعتقاد مشركي العرب ،ثمّ يضيف جل ذكره: ( ولم يكن له شريك في الملك ) .
فإذا كان لمشركي العرب اعتقاد بوجود الشريك أو الشركاء ،ويتوهمونهم شركاء لله في العبادة ،ويتوسلون بهم من أجل الشفاعة ،ويسألونهم المعونة لقضاء حوائجهم ،حتى آل بهم الأمر أنّهم كانوا يقولون بصراحةحين التلبية للحججملا قبيحة ملوثة بالشرك ،مثل: «لبيك لا شريك لك ،إلاّ شريكاً هو لك ،تملكه وما ملك » .فإنّ القرآن يدين ويدحض كل هذه الأوهام .
و يقول تعالى في العبارة الأخيرة: ( وخلق كلَّ شيء فقدّره تقديراً ) .
ليس كمثل اعتقاد الثنويين الذين يعتقدون بأن قسماً من موجودات هذا العالم مخلوقات «الله » ،وأن قسماً منها مخلوقات «الشيطان » .
و بهذا الترتيب كانوا يقسمون الخلق والخلقة بين الله والشيطان ،ذلك لأنّهم كانوا يتوهمون الدنيا مجموعة من «الخير » و «الشر » ،والحال ألاّ شيء في عالم الوجود إلاّ الخير من وجهة نظر الموحد الحق .فإذا رأينا شرّاً ،فإمّا أن يكون ذا جنبة «نسبية » أو «عدمية » ،أو أن يكون نتيجة لأعمالنا ( فتأمل ) !.
/خ2