المفردات:
فقدره تقديرا: سواه تسوية قائمة على أساس ،لا اعوجاج فيه ،ولا زيادة ولا نقص عما تقتضيه الحكمة والمصلحة .
التفسير:
2 –{الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} .
تشتمل هذه الآية على صفات الله تعالى ،وكمالاته وقدرته:
1 – فقد خلق الله هذا الكون بقدرته ،وجعل السماء سقفا مرفوعا وزينها بالنجوم ،وجعل فيها بروجا وشمسا وقمرا منيرا ،وخلق الله الأرض ،وبسطها ،وجعل فيها طرقا يسير عليها الناس ،وأرسى فيها الجبال ،ويسر إعمارها بإنزال المطر وإنبات النبات ،وخلق الحيوانات ،والإنس والجن ،وقد عبر القرآن عن هذا المعنى في كثير من الآيات .
قال تعالى:{تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا} .( الفرقان: 61 ) .
وقال تعالى:{لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى} .( طه: 6 ) .
وقال تعالى:{أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ * وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ * وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ * وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} .( الأنبياء: 30 – 33 ) .
تنزه الله عن الولد والشريك
ادعت النصارى أن المسيح ابن الله ،وقالت اليهود: عزير ابن الله ،وقد نفى القرآن ذلك عن الله ونزهه عن مشابهة الحوادث .
قال تعالى:
{مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ...} ( المؤمنون: 91 ) .
وفي الحديث الصحيح: ( لا أحد أحلم من الله ،إنهم ليدعون له ولدا ،وإنه ليعافيهم ويرزقهم ) .
وفي الحديث القدسي يقول الله عز وجل: ( يشتمني ابن آدم وما ينبغي له أن يشتمني ،ويكذبني ابن آدم وما ينبغي له أن يكذبني ،فأما شتمه لي فقوله: إن لي ولدا ،وأنا الواحد الأحد الفرد الصمد ،الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ،وأما تكذيبه لي فقوله: ليس يعيدني كما بدأني ) .
وقد رد القرآن في آياته على المكذبين بالبعث فقال تعالى:{كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} .( الأنبياء: 104 ) .
وقال سبحانه:{وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} .( الروم: 27 ) .
وفي آخر سورة يس يقول الله تعالى:{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ * أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} .( يس: 78 – 83 ) .
الخلق والتقدير:
أبدع الله خلق الأشياء على غير مثال سابق ،وآية ذلك تكامل هذا الكون ،وتعاون أجزائه: فالشمس ساطعة ،والقمر منير ،والبحار شاسعة ،والشمس ترسل أشعتها فوق المحيطات ،فيتصاعد البخار ،ثم تسوقه الرياح فيتساقط مطرا ،تتم به حياة الزرع والإنسان والحيوان ،والإنسان يستنشق الأوكسجين ،ويخرج ثاني أكسيد الكربون ،والنبات يأخذ ثاني أكسيد الكربون ويستنشقه ،ثم يخرج الأوكسجين ،فلو وجد الإنسان وحده لمات ،ولو وجد النبات وحده في هذا الكون لذبل وذوى ،فمن حسن تقدير الله وترتيبه وتدبيره ،وجود الإنسان والنبات ،والهواء مثلا فيه نسبة %21 من الأوكسجين ،ولو زادت هذه النسبة إلى %50 لزاد الاشتعال ،بحيث إن شرارة واحدة في الغابة تكفي لاشتعال الأشجار كلها ،ولو نقصت نسبة الأوكسجين في الهواء عن %21 لاختنق الإنسان ،وانخفض مستوى تقدمه وحضارته .
ولذلك قال تعالى:{وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} .
أي: أبدع خلق كل شيء في هذا الكون ،مع التنظيم والسبك ،والتكامل والإبداع ،والتنسيق بين المخلوقات ،بحيث يتم بينها التكامل والتعاون ،في إعمار الكون وإبداع نظامه .
وفسر ابن كثير:{وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} .بأن كل شيء مخلوق مربوب لله ،والله هو خالق كل شيء وربه ومليكه وإلهه ،وكل شيء تحت قهره وتدبيره وتسخيره وتقديره .