{تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين( 83 ) من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون( 84 )}
المفردات:
علوا: استكبارا وقهرا وغلبة .
فسادا: ظلما للناس كما أراد فرعون وقارون .
العاقبة: المصير المحمود .
للمتقين: المراقبين لله .
/م83
التفسير:
83-{تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين}
هذه الجنة والمنزلة العالية نجعلها للمؤمنين المستقيمين الأسوياء الذين يصبرون على البأساء ،ويشكرون على النعماء ،ويرضون بأسباب القضاء ،وإذا أعطاهم الله المال أو الجاه أو السلطان أنفقوا المال في سبيل الله ومرضاته ،ولم يستطيلوا به على عباد الله ،ولم يتخذوا المال ذريعة للفساد والعدوان والتعالي .
{والعاقبة للمتقين}
أي: العاقبة الحسنة والتمكين في الأرض ،والرفعة في الدنيا ،والسعادة في الآخرة ،لمن اتقى الله وراقب مولاه ،ورضى بالحلال وزهد في الحرام ،ولم يكن مثل فرعون وقارون .
وتأتي هذه الآية بمثابة التعقيب على قصة قارون ،فقد غرّه ماله وتباهى به وتعالى ،وضنّ به على الفقراء والمساكين ،ثم خسف الله به وبداره الأرض ،فكان المال مصدر بؤس وشقاء له في الدنيا والآخرة ،أما من اتقى الله في ماله فوصل به رحمه وأنفق منه على المستحقين ،ولم يتطاول به على عباد الله فله سعادة الدنيا ،والنجاة في الآخرة ،ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إنه أوحي إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ،ولا يبغي أحد على أحد )xxxiv .
وروى مسلم ،وأبو داود ،أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ) فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ،ونعله حسنة ،فقال: ( إن الله جميل يحب الجمال ،الكبر بطر الحق ،وغمط الناس )xxxv .
وروى أبو هريرة: أنه جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ،وكان جميلا ،فقال: يا رسول الله ،إني رجل حبب إليّ الجمال ،وأعطيت منه ما ترى ،حتى ما أحبّ أن يفوقني أحد بشراك نعل ،أفمن ذلك ؟قال: ( لا ،ولكن المتكبر من بطر الحق ،وغمط الناس ) .
وعن عدي بن حاتم قال: لما دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ألقى إليّ وسادة ،وجلس على الأرض ،فقال: أشهد أنك لا تبغي علوا في الأرض ولا فسادا ،فأسلمxxxvi .أخرجه ابن مردويه .