التفسير:
فتنة: الفتنة: الاختبار بالنار ، ومعناها هنا: العاب .
التفسير:
71- وَحَسِبُواْ أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُواْ وَصَمُّواْ ...
فتنة .من الفتن وهو إدخال الذهب في النار لتظهر جودته ..والمراد بها هنا: الشدائد والمحنو المصائب التي تنزل بالناس .
فَعَمُواْ وَصَمُّواْ . من العمى الذي هو ضد الابصار و من الصمم الذي هو ضد السمع ،وقد استعيرهنا للإعراض عن دلائل الهدى والرشاد التي جاء بها الرسل .
والمعنى: لقد ظن اليهود أنهم لن يصبيهم بلاء بتكذيبهم للرسل وقتلهم لهم فأمنوا عقاب الله وتمادوا في فنون البغي والفساد ،وعموا وصموا عن دلائل الهدى والرشاد التي جاء بها الرسل واشتملت عليها الكتب السماوية .
ثُمَّ تَابَ اللّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ .أي: ثم تاب عليهم قبل توبتهم بعد أن رجعوا عما كانوا عليه من فساد ،ثم نكسوا على رءوسهم مرة أخرى فعادوا إلى فسادهم وضلالهم وعدوانهم على أنبيائهم إلا عددا قليلا منهم بقي على توبته وإيمانه .
وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ .أي: والله تعالى عليم بما يعملونه علم من يبصر كل شيء دون أن تخفى عليه خافية ،وسيجازيهم على أعمالهم بما يستحقونه من عذاب أليم .
وتفيذ الآية: أن فساد اليهود وعماهم وصممهم على الحق قد حصل مرتين ،واختلف المفسرون في المراد بهاتين المرتين على وجوه:
الأول: أنهم عموا وصموا في زمان زكريا ويحيي وعيسى ثم تاب الله عليهم حيث وفق بعضهم للإيمان ثم عموا وصموا كثير منهم في زمان محمد صلى الله عليه وسلم .
الثاني: أن العمى الأول كان في زمن بختصر البابلي ،وقد غزاهم سنة 606 قبل الميلاد ،ثم ساعدهم قورش ملك الفرس سنة 526 قبل الميلاد فعادوا لبلادهم وأعادوا بناء هيكلهم .
ثم عموا مرة ثانية ؛فسلط الله عليهم الرومان بقيادة تيطس سنة 70م .
قال القفال{[298]}: ذكر الله تعالى في سورة الإسراء ما يجوز أن يكون تفسيرا لهذه الآية فقال: وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علو كبيرا .( الإسراء: 41 ) .
قال الدكتور محمد سيد طنطاوي{[299]} بعد أن نقل عن الفخر الرازي آراء المفسرين ثم عقب قائلا:
"والذي نراه أن تحديد عماهم وصممهم وتوبتهم بزمان معين أو بجريمة أو جرائم معينة تابوا بعدها- هذا التحديد غير مقنع ،ولعل أحسن منه أن تقول:
إن القرآن الكريم يصور ما عليه بنو إسرائيل من صفات ذميمة وطبائع معوجة ،ومن نقص للعهود والمواثيق ...فهم أخذ الله عليهم العهود فنقضوها ،وأرسل إليهم الرسل فاعتدوا عليهم ،وظنوا أن عدوانهم هذا شيء هين ولن يصيبهم بسببه عقاب دنيوي ،فلما أصابهم العقاب الدنيوي كالقحط والوباء والهزائم ...بسبب مفاسدهم ؛تابوا إلى الله فقبل الله توبتهم ورفع عنهم عقابه فعادوا إلى عماهم وصممهم- إلا قليلا منهم- وارتكبوا ما ارتكبوا من منكرات بتصميم وتكرار ،فأصابهم- سبحانه- بفتن لم يتب عليهم منها ..
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ .( العنكبوت:40 ) .