إكرام الذرية وجمعهم مع آبائهم
{وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ( 21 ) وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ ( 22 ) يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لاَ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ ( 23 )}
المفردات:
وما ألتناهم: وما أنقصنا الآباء بسبب إلحاق الأبناء بهم .
رهين: مرهون عند الله بعمله ،والعمل الصالح يفكّه ،والعمل الطالح يوبقه .
/م21
التفسير:
21-{وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} .
نوع من أنواع الفضل الإلهي على أهل الجنة ،فإذا كان الآباء في الدرجات العليا من الجنة ،والأبناء اشتركوا معهم في الإيمان ،وقصَّروا عن الآباء في الأعمال الصالحة ،فإن الله تعالى يتفضل على الآباء بأن يرفع درجات الأبناء في الجنة ،ويلحقهم بآبائهم ،لتقر عيونهم بهذا الاجتماع الأسري ،وجَمع الشمل بين الإنسان وآبائه وأبنائه ،ولا ينقص الآباء من درجاتهم شيئا ،لأن الآباء قد عملوا أعمالا أهَّلتهم للدرجات العليا .
{كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} .
أي: كل إنسان مرتبط بعمله ،فهو الذي يرفعه وهو الذي يخفضه ،وليس من العدل أن ينقص الأب درجة من أجل ابنه .
فالله تعالى عامل الأبناء بالفضل ورفع درجتهم ،وعامل الآباء بالعدل وأبقاهم في المنزلة العليا في الجنة .حكمة منه وعدلا وفضلا وإحسانا .
قال ابن عباس:
إن الله ليرفع ذرية المؤمن في درجته ،وإن كانوا دونه في المنزلة ،لتقرَّ بهم عينه ،وقرأ الآية .
( رواه الحاكم ،والبيهقي في سننه ) .
وفي رواية الطبراني ،وابن مردويه ،عن ابن عباس أنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا دخل الرجل الجنة ،سأل عن أبويه وزوجته وولده ،فيقال له: إنهم لم يبلغوا درجتك وعملك ،فيقول: يا رب ،قد عملت لي ولهم ،فيؤمر بإلحاقهم به ".وقرأ ابن عباس الآية:{وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} .
والآية على ما ذهب إليه كثير من المفسرين في الكبار من الذريّة دون الصغار .
وروي عن ابن عباس والضحاك وغيرهم أنهم قالوا: إن الله يلحق الأبناء الصغار ،وإن لم يبلغوا زمن الإيمان بآبائهم المؤمنين ،كما يلحق الكبار المكلّفين المؤمنين الذين لم يبلغوا درجة آبائهم في العمل الصالح والبعد عن المعاصي ،يلحقهم بآبائهم في درجتهم في الجنة ،إكراما لهم ولتكمل بهم مسرتهم .أ . ه
ورحمة الله واسعة ،وفضله كبير ،وكان بالمؤمنين رحيما .