{أو لم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين( 184 ) أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون( 185 ) من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون( 186 )}:
المفردات:
جنة: بكسر الجيم جنون .
التفسير:
{184 - أو لم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة ...}
سبب النزول:
جاء في تفسير الطبري ،وابن كثير ،والدر المنثور للسيوطي ،وغيرهم ،أن سبب نزول هذه الآية ،هو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،صعد على الصفا ليلة ،ودعا قريشا فخذا فخذا: يا بني فلان ،يا بني فلان ،يا بني فلان فحذرهم بأس الله وعقابه ،فقال قائلهم: إن صاحبكم لمجنون ؛بات يصوّت حتى الصباح ،فنزلت هذه الآية .
ومعنى الآية:
أغفلوا عما امتاز به الرسول – صلى الله عليه وسلم – بينهم من رجاحة العقل ،وصدق القول ،والأمانة الكاملة ،فقد عرفوه بالصادق الأمين ،والمفكر السليم ،وقد صاحبوه قبل الرسالة أربعين سنة ،وصاحبوه بعد الرسالة ،يدعوهم إلى توحيد الله وعبادته وحده ،كما دعاهم إلى إصلاح شئونهم ،وتنظيم حياتهم الدينية والمدنية والاجتماعية .
وكل ذلك لا يصدر من مجنون ،بل الذي يقتضيه العقل ،ويسرع إليه الفكر ،أن ما قدمه هذا النبي من قرآن وهداية وتشريع ونظام ،وهو أمي لم يناظر ولم يجادل ولم يفاخر أحدا فيما مضى ،إن هو إلا وحي من الله ،نزل به الروح الأمين ،والله يختص بفضله ورحمته من يشاء ،والله ذو الفضل العظيم .
{إن هو إلا نذير مبين} .
أي: أنه ليس بمجنون بل هو منذر ناصح ومبلغ عن الله ،فهو ينذركم ما يحل لكم من عذاب الدنيا والآخرة ،إذا لم تستجيبوا له ،وقد دعاكم إلى ما فيه صلاح الفرد والمجتمع في الدنيا ،وصلاح أمركم في الآخرة .
في أعقاب الآية:
تكرر اتهام كفار مكة للنبي صلى الله عليه وسلم بالجنون ؛لصرف الناس عن دعوته ورسالته .
قال تعالى:{أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون} . ( المؤمنون: 70 ) .
وقال سبحانه:{وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون * لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين} .
وقال عز شأنه:{ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون} . ( الصافات: 36 ) .
وقد جرت عادة الكفار أن يرموا رسلهم بالجنون ؛لأنهم ادعوا أن الله خصهم برسالته ووحيه مع كونهم بشرا لا يمتازون عن سائر الناس بزعمهم .
فقد حكى الله عن قوم نوح أنهم اتهموه بالجنون فقالوا:
{إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين} . ( المؤمنون: 25 ) .
وقال في شأنهم:{كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر} . ( القمر: 9 ) .
وقال حكاية عن فرعون في موسى عليه السلام: قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون . ( الشعراء: 27 ) .
وقدبين سبحانه ذلك على وجه عام74 فقال:
{كذلك ما أتى من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون} . ( الذاريات: 52 ) .